سنة غير حميدة استنها عدد من نواب مجالس الامة السابقة باعتماد منهج رفع القضايا لإرهاب المنتقدين وإجبارهم على ابتلاع ألسنتهم وإلقاء اقلامهم، فإما التمجيد لهؤلاء الابطال واما سيل القضايا ينتظرك.
ايضا، اطراف في الحكومة انتهجت ذات المنهج بالافراط في رفع القضايا خصوصا في ظل سيطرة اجواء التطاول والصراخ والتهديد الذي يعجز المسؤولون الحكوميون عادة عن مجاراته، فصار البديل هو رفع القضايا تلو القضايا.
الناس في الشارع، قديما كانوا يكتفون بالصراخ على بعضهم أو ربما يتطور الامر الى هوشة تستخدم فيها الايادي والعقل، ولكن بعد الفكاك منها يذهب كل من المتعاركين الى حال سبيله وينسى الموضوع، لكن اليوم، ربما لو قلت كلمة لآخر، توجه على الفور الى المخفر لرفع قضية يطاردك عبرها في المحاكم.
الاخطاء الطبية صارت تتجه ايضا الى المحاكم لحلها، وصارت الشكوك في الاخطاء الطبية اصلا دونما التثبت من وقوعها ايضا مدعاة لرفع القضايا.
مشاكل الترقي والمشاكل الوظيفية ايضا تلقي بأعبائها واخطائها على الجسد القضائي الذي صار يتلقى كل شيء في البلاد ليفصل فيه.
حتى المشاكل الزوجية تحل بالمحاكم بدلا من التراضي واعمال التوجيه القرآني الكريم {امساك بمعروف او تسريح بإحسان}، وباختصار تحول الوضع تماما وانقلب فبعدما كان الرجل قديما يفخر بانه «عمره ما دخل مخفر» نجده الآن فخورا و.. «يتشيحط» بانه من مخفر إلى مخفر ومن نيابة الى نيابة ومن محكمة الى محكمة ومن محام إلى محام.
هناك محامون يلعبون دورا سلبيا في تحريض موكليهم على اعتماد منهج رفع القضايا في كل شيء، أملا في ان يفوز لموكله بمبالغ تعويض ملائمة تعود عليه ايضا بالنفع سواء كسمعة لمحام يكسب قضاياه او كنسبة من التعويضات المقدرة له، بينما كانت هناك ومازالت ادوار رفيعة جدا لمحامين يحاولون حل المشاكل واحتوائها وتسويتها وديا بين المختلفين دون الدخول في الشكاوى والقضايا والدوران في أروقة المحاكم.
النتيجة ان الجسد القضائي صار يتعرض الى إنهاك شديد، فمن انتخابات الى انتخابات، ومن طعون الى طعون ومن مشكلة الى مشكلة، يضاف الى كل ما سبق التوسع الذي شهدته البلاد والزيادة السكانية الكبيرة بما يرافقها من زيادة طبيعية في معدل ارتكاب الجرائم، اضف الى ذلك ان القضية ايضا تدور من درجة تقاض الى درجة مما يجعلها تدور وتدور لعدة سنوات قبل ان يتم الفصل النهائي فيها.
هذا كله ترجمه امس رئيس السلطة القضائية المستشار فيصل المرشد في الزميلة «القبس» عندما حذر من الارتفاع غير الطبيعي للجرائم داعيا الى مؤتمر وطني وخطة قومية لانقاذ المجتمع ونشر (ثقافة التسامح) بين المواطنين.
وهنا اصاب المستشار المرشد لب القضية، انها ثقافة التسامح التي تتآكل في بلادنا وتنتشر عوضا عنها ثقافة (العنتريات) وثقافة (قلة الادب) وثقافة (طول اللسان) وثقافة (التكسب المادي والاعلامي) من رفع القضايا.
لكن المؤسف ان الوضع الراهن لا يمكن معه بث ثقافة التسامح الا عبر تصعيب اجراءات التقاضي وحث المخافر على لعب دور ايجابي واحسان اختيار المسؤولين القادرين على احتواء المشاكل بدلا من خلقها.
لقد دق المستشار فيصل المرشد الناقوس، فهل تتلقاه الحكومة وتعمل؟؟.. أم ستواصل الصمت والاكتفاء بوهم الانجازات الصوتية؟!.
أو?ر دوز.. انتخابات
التعامل (البارد) من الصحف امس مع حلول يوم الانتخابات البلدية، وعدم انتباه الكثير من الناس الى ان يوم الاقتراع قد حلّ، نسبة الاقبال الضعيفة على انتخابات البلدي.. هل هي مؤشرات على ان الناس تعاني من (جرعة انتخابات.. زائدة؟)؟!.
وليد جاسم الجاسم
waleed@alwatan.com.kw
أنستغرام: @waleedjsm
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق