وخرجت مصر من عنق الزجاجة بانتخابها للرئيس الجديد الدكتور محمد مرسي، بعد ثورة كانت الأسرع في العالم في أيامها الثمانية عشر. فثورة 25 يناير كانت احدى ثورات الربيع العربي التي ضج بها الكون، فكان صوت الشعب فيها هو الأقوى من حكومات الدنيا، رافضا حكم العسكر، والظلم والطغيان على مدى عقود طويلة.. لتنهيها في أقل من شهر، وبعدد قليل من الضحايا الأبرياء. لتعكس لنا حضارة هذا الشعب العظيم، شعب مصر الذي اصر إلا ان يقلب الطاولة على الظلم والتعسف الأمني، الذي استبد بهم عقودا طويلة هادما لكل حقوقهم المدنية، ضاربا عرض الحائط بحقهم في تحديد مصيرهم بأيديهم، مضيعاً لخيراتهم الكثيرة، حتى أفسد فيها وكان راعياً للفساد! فكان للشعب نهضة واقدام.. واباء وكرامة!. ليرد بضاعة الظلم الى راعيها وحامي حمى الفساد، حتى حقق الله لهم النصر المبين، فأتى لهم برئيس يعرفونه كما يعرفهم.. عنوانه العريض.. انا خادم لكم وأجير!
وبما أن مصر الآن أمام منعطف جديد، وبعد تسلم الرئيس محمد مرسي مهام الرئاسة رسميا وبمباركة من المؤسسة العسكرية وقادتها، كان لزاما على الشعب المصري، وخصوصا بعض تياراته الليبرالية وغيرها، سواء في الداخل المصري او في الخارج، ان يعطوا الرئيس فرصة لالتقاط أنفاسه، وقراءة المشهد السياسي من حوله بتمعن، فالتحديات امامه كبيرة بل وخطيرة، من تنمية وإصلاح سياسي واقتصادي وخلافه، تحتاج الى جهد جهيد وتركيز شديد، ونود هنا أن نهمس في أذن ابناء الشعب المصري بأن يترك الصغائر من الأمور، وأن يعينوا رئيسهم الجديد على تولي مهامه وتنفيذ وعوده الانتخابية التي فيها ما فيها من ملفات غاية في الحساسية والتعقيد.. سواء كانت في الشأن المحلي او الدولي!
اما على الجانب الدولي والاقليمي، فقد كانت كلمة الرئيس المنتخب محمد مرسي في جامعة القاهرة يوم تنصيبه حازمة، وخاصة فيما يتعلق بتركة المعاهدات الدولية التي التزمت بها حكومات مصر المتعاقبة من حكم العسكر، الذي قبع في الحكم زهاء خمسين عاما، ومنها اتفاقية السلام الموقعة مع الكيان الاسرائيلي، ومنها ما يتعلق بالشأن الفلسطيني، حيث عبر فخامته أن مصر ملتزمة بدعم الشعب الفلسطيني في تحقيق مصيره، ولن يتوانى في تقديم الدعم السياسي اللازم لإصلاح ذات البين بين الفرقاء الفلسطينيين.. (فتح وحماس)، لما يحقق لهم ذلك من وحدة في الخطاب الفلسطيني، الذي سيساهم حقيقة في إضفاء شرعية وقوة حقيقية لإنجاز مطالبهم الحقة، ومنها حق تقرير المصير!
إن أكثر ما أثار إعجابنا من حسن تصرف الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، هو تجاهله لاتصال التهنئة من رئيس حكومة الكيان الصهيوني نتانياهو، او حتى الرد على خطاب التهنئة المرسل إليه، مما يؤكد صدق المواقف المرتقبة منه، وكذلك رده الفوري والحازم على تصريحات الإعلام الايراني الذي بث زورا وبهتانا مقابلة مفبركة معه فور توليه الحكم في مصر، وما بثته من اكاذيب محضة في حقه! وختاماً نتمنى لمصر وشعبها دوام الاستقرار والسؤدد، وأن يُبعد الله عنها الأشرار أينما كانوا لتعود لنا مصر كما كانت مهد الحضارات وقاعدة العمل العربي المشترك!
محمد الجدعي
m.aljedei@gmail.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق