ناصر العبدلي: خسرناك وطناً

ليس هناك أشد وقعا على النفس من فقدان صديق رحل عنك، وهناك أمل أن يعود يوما ما، فما بالك بهامة وطنية مثل جاسم القطامي (بومحمد) الذي كان أكثر من صديق، حينما رحل عن الدنيا وأورثنا حزنا شديدا، فنحن لم نكد نصحو من حزن فراق عبدالمحسن الدويسان (بوطارق)، حتى فاجأتنا سلمى برحيل بومحمد، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وألهم ذويه الصبر والسلوان.
تعجز الكلمات عن الحديث عن بومحمد، ذلك التاريخ المحمل بهموم الأمة من أقصاها إلى أقصاها، لم يبخل عليها وعلى وطنه يوما ما، بالرغم من الحروب التي شنت ضده، والمؤامرات التي حيكت من أجل عرقلته ومنعه من القيام بواجبه تجاه أمته وتجاه وطنه.
ففي سيرته ما يمكن أن يملأ عشرات المجلدات، لكنه آثر أن تكون طي الكتمان، لأنه لم يكن يعشق الأضواء، بل يعشق وطنا بقي في قلبه حتى رحل.
جاسم القطامي عاش نسمة باردة مفعمة بعبق الورد، لم تكد تهب في تجاه حتى تتحول للاتجاه الآخر، حتى يستفيد من عبيرها الجميع، لم نسمع منه يوما كلمة نابية بحق أحد أو تجريحا أو انتقادا يخرج في سطوره عن الموضوعية والتجرد.
لقد كان مدرسة عجز عن اللحاق بها الكثيرون، وأصبحوا ينظرون إليها من بعيد، وفي داخلهم حلم أن يصلوا إليها، لكن مثل تلك الأحلام يعد ضربا من المستحيل، كما يقولون.
كنا ننتظر يوم الاثنين من كل أسبوع على أحر من الجمر، فقط لنجالس ذلك الصديق ونستمع لحواراته الجميلة، ونفهم من كل تلك العبارات ماذا كان يجري وسيجري في وطننا العربي الكبير، فقد كان هما دائما بالنسبة إليه أن نعرف أننا جزء لا يتجزأ من تلك الأمة العظيمة التي حملت على أكتافها رسالة خالدة، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فبها أعزنا الله، وبتركها تحولنا إلى مجرد هياكل لا روح وعقل لها.
خسرناك يا أبا محمد برحيلك عن دنيانا، والموت حق، لكن عزاءنا في كل ذلك التراث الطويل من العمل الذي لم يتوقف عند حدود وطننا الصغير، بل امتد ليشمل حلما طالما راودنا منذ كنا صغارا، في أن نستعيد مجدا خسرناه في صروف الدهر، رغما عنا تارة وتقاعسا منا تارة أخرى.
خسرناك جسدا، لكننا لم نخسرك ذكرى، فستبقى ما بقي هذا الوطن الكبير وذلك الوطن الصغير، ذكراك تحثنا دوما على تتبع خطاك لنكمل الطريق.. رحمك الله يا أبا محمد.
المصدر جريدة الكوييتة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.