خليل عبدالله: في التقارب المصري – السعودي

هل الذي نراه اليوم مجرد «تقارب» مصري – سعودي، أو مصري – خليجي، ام هو تداخل، ام تعاون استراتيجي؟
هل تشعر مصر والسعودية خاصة، بالمخاطر التي باتت تهدد البلدين لا من الارهاب والتطرف الديني ومغامرات الاسلام السياسي فحسب؟ ام ان المسؤولين يدركون كذلك المصير المجهول الذي بات يرافق هجوم هذه العناصر المتشددة على المنطقة العربية والخليجية، وعلى الكيانات القائمة، ومحاولة قلب الأوضاع فيها، تمهيدا «لحكمها لمدة 500 عام قادمة»، كما صرح بعضهم، لصالح حركة الإخوان المسلمين او تنظيم القاعدة ووكلائها المحليين والدوليين، وعشرات الجماعات الأخرى التي تتحرك في العلن والخفاء داخل سورية والعراق وليبيا وسيناء.. وربما حتى في أوروبا والولايات المتحدة؟ لا يمكن بالطبع محاربة التعصب الديني بالتشدد السياسي والاستبداد، فلقد قالت جماهير العالم العربي كلمتها في اكثر من دولة. وفي مصر بالذات أعربت كتلة كاسحة من الجمهور كذلك عن رفضها لحكم الإخوان، وطالبت بتحقيق اهداف ثورة 25 يناير 2011، التي قادها المصريون، لا الاهداف الغامضة والانتهازية التي تحمس لفرضها على مصر والثورة الاخوان المسلمون، بل لبناء مصر حرة عصرية ديموقراطية.
ان كان تفاؤلنا في ازدهار العلاقات المصرية – الخليجية في محله، فإن قادة هذه الدول، وبخاصة مصر والسعودية، وبعد ان مرت على المنطقة ما مرت من احداث في العقود الاخيرة، ادركوا الآن عناصر القوة والضعف في الدولتين المصرية والسعودية، والقدرة الهائلة الكامنة في تقاربهما، والحاجة الماسة الى وضع سياسات تنموية تطويرية لا تحمي المنطقة من مغامرات التشدد وأضاليل الاسلام السياسي فحسب، بل تعمل على حل الكثير من المشاكل الاخرى، التي يعلم الجميع ان مصر ودول الخليج العربية تعاني منها.
لا ينبغي لسياسات هذه الكتلة الجديدة ان تكون حصيلة جمع الرؤية المصرية والسعودية مثلا فحسب، بل لابد لقادة مصر والبلدان الخليجية ومن يحب ان يتعاون معهما ضد المخاطر المشتركة، ان يدرسا تجاربهما، وبخاصة اهداف الثورة المصرية والحركة الاصلاحية في المملكة العربية السعودية والتحديات التي تجابه البلدين في الداخل وعلى الصعيد العربي والاقليمي. لابد من عودة الاقتصاد المصري الى الخفقان، فمصر ليست دولة فقيرة فاشلة على الاطلاق بل كانت على الدوام دولة مُستنزفة، يتلاعب المبتدئون باقتصادها ومصيرها ومسارها. ولابد للمملكة العربية السعودية ان تدرك قدرها الجديد، امام المأساة التي تعيشها العراق وسورية وليبيا. كما يتطلب الوضع المضي والاسراع في الاصلاح السياسي والتوسع في الحريات الاجتماعية وإفساح المجال امام شباب المملكة والشابات، ممن درسوا في افضل الجامعات السعودية والخارجية، لادارة الدولة وتحديثها على كل صعيد.
ان الاسر الحاكمة في المنطقة الخليجية والحكومات امام اوضاع جديدة تحتم عليها الانتقال بهذه المجتمعات الى القرن الجديد محتفظة بازدهارها الاقتصادي واستقرارها السياسي، وان يسارعوا في تحديث ادوات التعبير السياسي والحريات وان يعطوا الاولوية لمبادرة التحديث الشامل لا مجرد الاسكات والتأجيل.
ويفهم الكثيرون نفور النخب القيادية في دول مجلس التعاون من عملية التحديث والتغيير التي باتت تطرح نفسها بقوة في ظل التطورات. ومن حق كل مجتمع ان تتعايش فيه تيارات محافظة واخرى مجدِّدة، وان يتضمن مدافعين عن استمرار الاوضاع ومطالبين بالتجديد ولكن لابد لبلدان مجلس التعاون الخليجي ان تدرك من جانبها كذلك انها جزء اساسي من التكتل الاستثماري الدولي، ومن التحالف الغربي وثقافته السياسية، ومصدر مهم للوقود في الحرب والسلام، وان استقرار العالم واستمرار ازدهار منطقتنا له صلة مباشرة باستمرار هذه العلاقة الاستراتيجية مع اوروبا والولايات المتحدة وعموم البلدان المتقدمة والديموقراطية، وان هذا التحالف لم يعد ممكنا في عصرنا المعولم هذا، دون ان يشمل الانفتاح مختلف مجالات الحياة، مما يعني استحالة عودة دول مجلس التعاون الخليجي الى ما كان عليه الامر قبل سنوات، وعلينا تدارس هذا الامر في اقرب فرصة.
نحن لا نعرف الآن طبيعة مسار السياسات التركية والايرانية ومصير مختلف الملفات. غير اننا ان كنا نؤمن حقا بترسيخ التقارب المصري – السعودي، والانتقال من الدعم الاقتصادي الى التعاون السياسي، فعلينا ان نبادر منذ الآن ونتجاوز الحواجز ونطرح افكاراً ومشاريع مستقبلية اوسع في الرؤية والاهتمام.
ومثل هذا التنسيق ليس باليسير، ولعل اصعب ما فيه ان الامر ينبغي ان يتم.. في أقرب فرصة!

خليل علي حيدر

المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.