في المجتمعات البدائية المتخلفة تنمو مفاهيم عنصرية كثيرة في التفرقة بين البشر لاسباب عديدة مثل العِرْق واللون والاصل والدين والمذهب، لكن كلما تقدمت هذه المجتمعات واقتربت اكثر الى التحضر والمدنية تتراجع مثل تلك المفاهيم وتتقهقر لصالح مفاهيم وقيم اخرى جديدة تحل بديلا عنها، مثل النجاح.. الشهادة.. الثروة.. القدرة.. والتميز.
مجتمعنا الكويتي الذي خطا خطوات حضارية رائعة وسريعة في حقبتي الستينيات والسبعينيات تقهقر وتراجع كثيرا في حياته وقيمه الاجتماعية لاحقا، وتحديدا منذ الثمانينات وحتى اليوم، وهنا نحن اليوم نجني نتائج هذا التراجع الحضاري متمثلا في عدة صور قبيحة ابرزها استمرارية العنصرية الاجتماعية وزيادة التعصب القبلي والديني والطائفي والعرقي إلى حدود ربما لم يكن يعرفها حتى مجتمع الكويت البدائي ما قبل مرحلة اكتشاف النفط والتمتع بخيراته حيث كان أكثر تسامحاً وهدوءاً وتقبلاً للاختلاف.
الآن، لم يكتف المجتمع الحديث بطبقيته الاجتماعية، ولكن تنمو طبقية جديدة فيه برعاية حكومية، فهناك طبقية من نوع آخر مبتكر تنمو وتترعرع، وهي تتمثل في تمييز عدد من جهات العمل الحكومي لنفسها والعاملين فيها والاستئثار بمزايا تحت ضربات التهديد بالإضراب لحكومات رعديدة متتالية فخلقت هذه الجهات لنفسها بدلات وكوادر ومزايا ما أنزل الله بها من سلطان، وصار الموظف في تلك القطاعات محسوداً لأن راتبه يفوق بثلاثة إلى أربعة أضعاف رواتب سائر الموظفين في مؤسسات الدولة، وربما أنه لا يبذل أي جهد إضافي يميزه ومع ذلك فإن من كان زميله على مقاعد الدراسة والمماثل له في الشهادة الى حد التطابق لا يأخذ ربع راتبه ومزاياه.
ابرز تلك الجهات كما نعرف القطاع النفطي حتى ظن الكثير من العاملين في القطاع والموظفين في الدولة عموما ان عاملي القطاع النفطي هم الذين صنعوا النفط من العدم وان افضالهم على الدولة والناس تحتم هذه المزايا!
لكن تلك المزايا التي رافقت هؤلاء في مستواهم الطبقي الجديد، تمددت وامتدت وصار التمييز يستمر معهم حتى عندما تحين لحظات الوداع والتقاعد.
وإلا.. لماذا تختلف بدلات نهاية الخدمة حتى مع القياديين عند التقاعد والاستقالة، ولماذا يتميز قياديو النفط بمبالغ تصل الى نصف مليون دينار و700 الف دينار، وفي جهات اخرى مثل الطيران المدني والحرس الوطني والداخلية والدفاع وبعض الدواوين الرسمية تتراوح المبالغ بين 150-50 الف دينار، بينما المتقاعد في جهات اخرى من الدولة لا يأخذ معه غير الحسرة على السنين التي قضاها وانتهت معه هذه النهاية المؤسفة وهو يرى ذلك الموظف الذي ميزته عليه الدولة في قطاعات أخرى أثناء الوظيفة يختم حياته المهنية بمبالغ سخية تعينه على ما ينتظره من أيام وسنين.
نحن لا ندعو إلى المساواة المطلقة، ولا ندعو إلى قتل التميز والابداع، ولا ندعو إلى ما يشبه الشيوعية أو الاشتراكية، ولكن ما ندعو إليه هو رفع الغبن والظلم والتوقف عن التمييز غير الموضوعي، فالمبدع يكافأ أينما كان والموظف العادي يعامل حاله حال باقي خلق الله.
واعلموا أن الظلم ظلمات، وأنه آن الأوان لفتح ملف التمييز والتفرقة والطبقية وتتوقف الحكومة والجهات ذات الصلة عن هذا العبث.
وليد جاسم الجاسم
waleed@alwatan.com.kw
انستغرام: @waleedjsm
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق