سهل علينا أن نكون على وعي ودراية بوجودنا وسط بيئة يسيطر عليها ديكتاتور سياسي, أو ديكتاتور إداري, لأننا أول من يدفع الثمن من إبداع مقهور, وفن مطمور, وإنتاج مقيد, وإنجاز عاجز عن التنفس, وإرادة مربوطة, وعزم مشدود بحبل تمسك به يد الديكتاتور, فإن شاءت أرخت منه القليل, وإن أرادت لفته على رقبة المربوط به فلا تتركه إلا والروح مفارقته.
ولكنه يصعب علينا أن نكون على وعي بما يدفعه أكثر خلق الله حساسية وأكبرهم قدرا وأرفعهم مكانة وأحبهم إلى النفس من ثمن نتيجة لديكتاتوريتنا التي نمارسها معهم عن دراية أو عن جهل, فنكون صورا طبق الأصل لسلف ما مارس من اضطهاد بكثرة ما فعل مع “الطفل”, فكانت النتيجة أجيالا من رجال لا يفقهون عن مفهوم القوة إلا العنف, ونساء لا يفهمن من الأنوثة سوى ما وجب عليهن ستره.
للطفل خاصية اختصته بها الطبيعة, فكانت هي العامل الأول الذي يمكنه من البقاء وهي أنه كالعجينة كيفما أمسك عليها برفق أو عنف تشكلت, ولأن العنف في أذهان معظمنا يقتصر على الأثر الجسدي والألم الفسيولوجي, كان أن التزم الكثير منا بمبدأ الامتناع عن الضرب, ولكن عجز نتيجة لعوامل اجتماعية وبيئية كثيرة عن الالتزام بمبدأ الحوار مع الطفل والأهم بمبدأ (الصبر على الحوار).
الطفل إنسان له من الحقوق ما يفوق حقوق البالغين أهمية وأثرا ووقعا على أي مجتمع, فالمجتمعات ترتقي بوعي النشء فيها, ووعي النشء يبدأ منذ الطفولة, ووعي الطفل يبدأ بوعي الأبوين والأهل والمجتمع, فمتى ما اتفق المجتمع على سياسة واحدة في تعامله مع الطفل, ومتى ما التزم بحكم العرف أو القانون على إيتاء كل ذي طفل حقه, ضمن المجتمع أنه يتقدم وينمو ويعيش بسلام.
أطفالنا ليسوا ملكا لنا, أطفالنا متعة وهبة من الحياة بهم نعيش بطريقة اخترناها لأنفسنا ولهم, وذلك لأنهم لم يكونوا سببا في وجودهم, لذا لا يجب عليهم أن يدفعوا ثمنا لهذا الوجود ما حيوا, والطفل حين يكبر فرحا بوجوده الحر, وحين يطلب ما احتاجه بحرية, وحين يطالب بما يرغب به بحرية, وحين “يسمع له” حتى ولو لم تلب مطالبه, وحين يحب وحين “يحترم” وحين يناقش, وحين نقتنع بما أتى به من أسباب, وحين نعترف بخطئنا معه, وحين نعتذر له, نكون قد ربينا أنفسنا, وهذبناها وقتلنا الديكتاتور فينا واستبدلناه بروح حرة لا تكره في الحياة شيئا أكثر من الظلم وممارسة السلطة, فلا مدرسة أكثر حقيقية من مدرسة الأبوة لطفل, ولا محك يكشف لنا قدرتنا على تطبيق ما ندعي به أشد من محك الصبر على حوار طويل لا ينتهي مع طفل يرى أنه على صواب وأنت على خطأ, ولا وسيلة أفضل لترويض الديكتاتور في أنفسنا من أن نخضع لرأي طفل على حق.
* كاتبة كويتية
h_alhuwail@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق