لا أعرف من هي السيدة الفاضلة «أم حمود الرشيدية»، صاحبة القول الشهير في الامثال الكويتية التي يوردها الشيخ النوري، اذ قالت: «النوم عبادة والسهر قرادة والله رايح بمراده»! ولكن «ام حمود»، كانت على الارجح صاحبة رأى مستقل، واعتراض عقلاني في الرأي المنتشر والمنقول، ولها كذلك موقف من مسائل الجبر والاختيار!
يقول الشيخ عبدالله النوري في كتاب «الأمثال الدارجة في الكويت»: «قالت هذا المثل ام حمود الرشيدية، ليلة النصف من شعبان، وكان الناس يعتقدون انها الليلة المباركة التي يُفرق فيها كل أمر حكيم، وان الآجال والارزاق تُقدر فيها للعام المقبل، فلهذا يسهر الناس في تلك الليلة يتعبدون ويدعون الله ان يمنحهم رزقا واجلا وتوفيقا. فطلب بعضهم من ام حمود هذه ان تسهر معهم وتتعبد. فقالت النوم افضل من السهر، والسهر لا يأتي بخير، والله قضى وقدّر في الازل، ولن يغير ما قضاه وقدَّره». (ص383، طبعة 1981، ذات السلاسل).
وهكذا وبحسم، اتخذت «أم حمود» موقفا صريحا في قضية، ظل فلاسفة المسلمين، واهل الجبر والاختيار، والتسيير والتقدير.. يتجادلون طويلا فيها.
كما رفضت علنا الانسياق لممارسة دينية لم تجدها مقنعة لها!
وقد نتساءل: هل يملك جيلنا الكويتي الحالي، رجالاً ونساء، بشجاعة ام حمود الادبية والدينية واستقلالية رأيها امام التعصب الجارف؟ وقد نتساءل فيما وراء هذا الموقف، هل تعترف ثقافتنا الاجتماعية للمرأة خاصة بسلامة الرأي ان خالف ما هو شائع ومنتشر؟ ومن الاكثر اعتزازا برأيه الرجل ام المرأة؟ وهل ما يصدق على جزم المرأة العربية برأيها وموقفها، يصدق على الانجليزية والألمانية واليابانية؟
ألا تفضل الثقافة العربية والايرانية وربما التركية والباكستانية والشرقية عموما، المرأة التي لا تتمسك برأيها، وتساير الزوج وأهله وجماعته، وتتبنى ما هو سائد في المجتمع من افكار وآراء؟ ألا يفضل «الرجل الشرقي» المرأة المطيعة فكريا، والتي تدافع عن آراء زوجها، وربما تنضم الى حزبه السياسي او على الاقل تتحمس لمن يحب من شخصيات برلمانية او يتبع من شيوخ دين؟
المرأة في ثقافتنا العربية وسط ورطة معروفة. فالذكية الصريحة العميقة الثقافة قد تجابه مشاكل اجتماعية وشخصية، لا تقل عن تلك التي تعاني منها الفتاة السطحية الساذجة. وفي بعض الاحيان تشن المؤسسات السياسية والثقافية والدينية في المجتمع هجمات وانتقاص حقوق من كل لون. ومما يشد الانتباه ألا نجد في اوساط الطلاب اي اعتراض او شعور بمحاباة غير مبررة تمس قدراتهم الفكرية، عندما يتم قبولهم في بعض المؤسسات او التخصصات الجامعية بدرجات ومعدلات اقل من الطالبات! كما اننا من ناحية اخرى نرى في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية، طالبات يتمتعن بجرأة فكرية وعقول مستقلة متسائلة، يتم في احيان كثيرة «تهدئتها» لاحقا، عبر مراحل الضغط الاجتماعي وهيمنة القيم السائدة. وتمر بنا في كتب التراث قصص ونوادر كثيرة عن جرأة بعض النساء وسرعة بديهتهن وشجاعتهن، وكذلك روايات عن فصاحة نساء البادية وحسن ردهن في حضور الحكام والولاة، بل ومواقف لشخصيات نسائية قبلية قوية مستقلة، في كل من نجد واليمن وبادية الشام، وسط احداث عاصفة وغزوات دامية غير ان ثقافتنا لا تستخرج من هذه النماذج رؤية اجتماعية جديرة بالاتباع، فتبقى الشخصيات في مكانها قصصا ونوادر في الجرأة والشجاعة وربما التفاخر، وتغوص في قعر التراث، ليطفو بدلا عنها كل ما هو مساير للنماذج التقليدية، اي نفس النموذج النسائي الذي تسخر منه امثلة شعبية كثيرة، فتعايرها بالبلاهة او سوء التصرف.
هل يزيل التعليم هذه الغشاوة الاجتماعية التراثية؟
تابعنا ولانزال معركة الفتاة السعودية مثلا في سبيل التعليم، وما جابهت بداياته من صعاب وعقبات. وقد طالعت أخيرا كتابا للدكتور «عدنان حسن باحارث»، استاذ التربية الاسلامية في جامعة ام القرى بالمملكة، (مطبوعات دار الصميعي بالرياض، 2012، ص67)، فرأيت د.باحارث يقول ما يلي: «ان من اهداف تعليم الفتاة تنفيرها من مسلك التقليد الذي لا برهان معه، انما هو مجرد مسايرة اجتماعية لا تبنى على اصل شرعي، او منطق عقلي». ويضيف د.باحارث: «ان من اسوأ ما تنشأ عليه الفتاة المسلمة هو الانقياد للمعارف المقررة دون بصيرة والاستسلام للآراء السائدة في المجتمع دون قناعة صحيحة ودون تمحيص كاف، فهذا المسلك مع ما يحمله من الضلال الفكري، فإنه كفيل بأن يعطل عقلها عن الانطلاقة السليمة، ويعوق تفكيرها عن مقامات الابداع والتفوق، فإن الابداع يتعارض مع التقليد الاعمى. ومن هنا كانت اول دعائم التربية العقلية للفتاة المسلمة، تحريرها من التبعية العمياء، والحجر العقلي».
وقد رفضت «أم سعود الرشيدية» التقليد الاعمى والرأي السائد دون دليل، ولهذا بقى ذكرها في الأمثال!
خليل علي حيدر
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق