أؤمن شخصياً ان استعدادية بعض الأفراد لاستعمال البطش والقسوة والعنف ضد الآخرين أو ضد مجتمعهم بعامة يرجع بعض أسبابها الرئيسية إلى نشأتهم الأسرية. فمن تعود منذ صغره على قبول سلوكيات وتصرفات العنف اللفظي والجسدي والمعنوي, يرقبها تحدث بين والديه, أو يتم التغاضي عنها, وقت ما تحدث بين الإخوة والأخوات, لابد أن ينشأ لاحقاً على العنف, فمن يتعود على مشاهدة البطش ومظاهر القسوة في حياته اليومية, يتلذذ لاحقاً بتقليدها في حياته الشخصية, وفي تعامله مع أعضاء المجتمع الآخرين. بل يعتقد هذا النوع من الناس أن العالم الخارجي لا يفهم سوى لغة البطش والقسوة, وأن المكانة الاجتماعية والسمعة تتحققان فقط عن طريق ممارسة الغطرسة والبطش ضد الآخرين. فبالنسبة لهذا النوع من الضحايا والجلادين في آن واحد, الحياة الدنيا قاسية وصعبة, وتتطلب دائماً إظهار القوة العضلية وقوة اللسان والاستمرار في البطش بالطرف الأضعف. فلا تؤخذ الحقوق عن طريق المفاوضات أو التفاهم العقلاني, بل ما يحدد حاضر ومستقبل الإنسان العنيف قدرته على ممارسة أقصى درجات القسوة والبطش, ويا جبل ما يهزك ريح!
وبالطبع, المجتمع الذي تزيد فيه حدة القسوة والبطش في الحياة اليومية, لابد أن يتحول مع مرور الوقت إلى بيئة حاضنة للعنف بكل أنواعه وأشكاله. فالمجتمع القاسي تكثر فيه جرائم العنف, ويتسم بغلبة التطرف في التفكير والصراعات النفسية واحتقان العلاقات الاجتماعية وغلبة المماحكة والقيل والقال والقسوة اللفظية. إضافة إلى ذلك, يتسم المجتمع العنيف بغلبة المحسوبية والسلوكيات والتصرفات الفوضوية, فعندما تصبح لغة القوة والبطش والقسوة هي اللهجة الدارجة بين الناس, فالغلبة للأقوى والأكثر قدرة على إظهار أكبر قدر من الأنانية والنحاسة وضيق الأفق والتضييق على الآخرين, فلا صوت يعلو فوق صوت البطش والقسوة والعنف المتبادل في هكذا مجتمعات فوضوية.
من ينشأ في بيئة أسرية عنيفة, يتعود ممارسة القسوة ضد من هم اضعف منه: فترى الطفل العنيف يمارس التنمر المدرسي, ويتعامل بقسوة مع الحيوانات, ويخرب الممتلكات العامة, ويشتم ويلعن أنداده, ويقسو على من هم أقل منه في المكانة الاجتماعية, ويقسو على زوجته لاحقاً, ويبرر القسوة والبطش ويتلذذها. فبالنسبة للشخص العنيف: الدنيا تؤخذ غلاباً, دائماً وأبداً وفي كل وقت وفي أي سياق اجتماعي, وفي أي جانب من جوانب حياته اليومية الفوضوية والسلبية والعنيفة.
كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق