حسن كرم: علي العمير الديني وعلي العمير السياسي

عندما ندعو لفصل الدين عن الدولة وتأكيد الدولة المدنية. فذلك ليس اقلالا بالدين لا سمح الله.. فنحن ولله الحمد مؤمنون ومتمسكون بالدين وما يحمله من نواميس الاخلاق والعبادات.
لكن يظل الدين ديناً يسمو فوق كل الماديات والدنيويات إذا جاز هذا التعبير، فمن يتمسك بالدين كالقابض على جمرة وتصور – عزيزي القارئ – ماذا يعني لك ان تمسك بجمرة ولكن هل في السياسة قول كهذا. بمعنى هل هناك سياسيون ان كانوا في سدة الحكم او كانوا في منزلة اقل مثل عضوية المجالس النيابية يقبضون على الجمرة السياسية ولا يتزحزحون عن مواقفهم السياسية اذا كان صالح تمرير قضية او تمرير مصلحة..؟!! لعلي اجزم لا سياسي في العالم حديثاً وقديما تمسك بالمبادئ ولم يتلون تلون الحرباء. ولسنا هنا بصدد ذلك ذكر امثلة فالتاريخ مليء بالامثلة ومليء بالزاحفين على الدنيا تاركين الدين خلفهم..!!
النائب المحترم عن الدائرة الثالثة – ابن قرطبة – الدكتور علي العمير رغم عدم معرفتي المباشرة به الا انني اخال بان الرجل صادق مع نفسه ومنسجم من اطروحاته، هذا الصدق والانسجام مع النفس ومع الطروحات لا يعني ان الرجل قد خدم الوطن او خدم المواطنين، فالوطن لا يختزل بمجموعة محدودة من الناس مواطنين او ناخبين يجتمعون على فكر واحد(…) فالوطن هو الوعاء الذي يحوينا جميعا والمواطنون هم المتمثلون في الامة التي يحتويها الوعاء.. ويمكن تشبيه الامة بالمائدة المتنوعة. فالامة ليست بالضرورة على مزاج واحد او على دين واحد وانما تتعدد في الامة الواحدة الامزجة والاديان والثقافات والامة الناجحة هي في التنوع الديني والاثني والقومي والثقافي ولا يشعر اي مواطن بالاضهاد او بالاقصاء او بالاتحقار او بالانتقاص لحقوقه مهما تواضع شأنه او علت مكانته.
فالناس يحتويهم الوطن وتجمعهم الحقوق وهي حقوق تتنوع من الماديات وغير ذلك.
وعضو مجلس الامة الكويتي ليس استثناء عن هذا فهو يمثل الامة الكويتية وعندما يقسم فهو يقسم على اساس ان يكون مخلصا للوطن واحترام الدستور وقوانين الدولة والذود عن حريات الشعب ومصالحه وامواله وان يؤدي اعماله بالامانة والصدق هذا القسم الدستوري لا يشتمل اثره على منطقة انتخابية او ناخبين وانما قسم مشمول للامة المتمثلة بالشعب. والوطن الذي هو الكويت. لذلك فأي موقف ديني او مذهبي او فكري خارج سياق مصالح الوطن والامة هو انحراف عن القسم وافتئات على الامة وانتقاص من حقوقها. ونعود نكرر الحقوق مشمولة بالماديات وغيرها.
غير ان بعض النواب ينسون او يتناسون انهم يمثلون الامة بأسرها وعليهم احترام ارادة ومزاج الامة وهنا نذكر مثالا بالاسم النائب المحترم الدكتور علي العمير، ولعل من المناسب ان نستشهد بعبارات وردت في مقالة اخيرة للنائب السابق الدكتورة اسيل العوضي نشرت في جريدة الجريدة تؤيد ما نحن بصدد قوله. تقول الدكتورة اسيل «مشكلتنا كما هي مشكلة اغلب الانظمة ذات المجالس المنتخبة. ان النائب بعد وصوله الى البرلمان يصبح اسيرا لقواعده الانتخابية وخصوصا الناشطين منهم فيتبنى اجندتهم ويدافع عن مصالحهم الخاصة وان تعارضت مع المصلحة العامة. بينما يفترض ان النائب يمثل الامة برمتها..».
اقول ذلك وانا بيدي قصاصة لخبر نشر في احدى جرائدنا اليومية عن ان الدكتور العمير في اثناء مرور الوفد البرلماني الذي زار مشروع جامعة الشدادية ان مروا على مبنى التربية الموسيقية، فقال النائب العمير «هذا سكروه.. سكروه «موسيقى.. استغفر الله..».
فلعلنا نحسبها زلة غير مقبولة من رجل علم قبل ان يكون رجل سياسة. ومن رجل فهم الدنيا وخاض غمارها. ومن ممثل للامة قاطبة اقسم على احترام الدستور الذي ينص في مادته الـ(24) «رعاية الدولة للعلوم والآداب والفنون وتشجيع البحث العلمي..» فهل القسم الدستوري ينطبق على مواد ولا ينطبق على اخرى. ام قسم يعني الدستور كله، من هنا نذكر النائب المحترم لئن كان هو لا يحب الموسيقى او يستكرهها. فلا ريب ان هناك جماهير عريضة من الشعب الكويتي تتذوق الموسيقى وتحب سماعها وتسعى الى تعليمها. وللتذكير فقط ان الكويتيين من اكثر شعوب الارض عشقا للغناء واستطعاما للموسيقى. ألم يجوبوا البحار والمغاصات وهم يغنون ترويحا للنفس وطردا للملل بغناء الهولو واليامال..
واستطرادا نقول ان الموسيقى ليست طبلا ومزمارا وانما علم محتوى لكل العلوم التي تدرس في بقية المعاهد والكليات ولماذا استكراه الموسيقى وهي ترافق الجيوش في الحروب وفي المناسبات الوطنية والسلام الوطني. بل يستعين الطب الحديث بالموسيقى لعلاج بعض الامراض.
وليعذرني النائب المحترم وليعذرني القارئ العزيز اذا اطلت في موضوع قد يراه البعض هامشيا. وهو في الواقع ليس كذلك. فهناك هجمة رجعية تستهدف منذ زمن الفنون عامة ومادتي التربية الموسيقية والتربية الفنية في المدارس الحكومية الامر الذي جعلت هاتين المادتين بما تمثلان من اهمية علمية وحياتية هامشية وغير مرغوبة، فهؤلاء يتكلمون عن الجمال لكنهم يجهلون ان الجمال يكمن في الفنون ويجهلون ان الكون كله بكواكبه ونجومه واقماره وشموسه والجبال والاشجار والحيوانات والبشر والانهار والبحار.. الخ انما هو لوحة من رب عظيم.
والاعجب ان هؤلاء المستقبحين للفنون قد فهموا الجمال بالقبح وفهموا الدين بالتجهم ومصادرة حق الاخر في الحياة وفي التعبير بحرية عن خوالج النفس وقد نصبوا انفسهم مندوبين عن الله. لا انهم اناس عاديون اقل شانا او علما. وانهم معرضون مثل غيرهم للخطأ والخطيئة.
ان المستكرهين للفنون من غناء وموسيقى او رسم وتصوير.. الخ فهذا شأنهم وهذا حدود فهمهم وثقافتهم ولكن ينبغي ان يلزموا حدودهم ولا يتجاوزها تعديا على الآخرين. هناك حرب شرسة على الابداع وقتل المواهب وتقزيم الكويت. هذه الكويت التي كانت رائدة في الفنون وفي الابداع والتنوير انها حرب بالنيابة. او حرب عن جهل والتي لا يستشعرون عواقبها..

حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.