وليد الجاسم: عالم.. “حريم.. حريم”

لست عنصرياً ولا فئوياً.. ولا أحب التمييز بين البشر لأسباب الجنس أو النوع أو العرق، ولست من أنصار اعادة المرأة إلى عهد «الحرملك» بل مؤمن بحقوق المرأة في التعليم والعمل والحرية غير المنفلتة شأنها شأن الرجل، لكن هناك أموراً واقعية أحياناً تفرض نفسها ولا يمكن القفز عليها أو تجاهل الخوض فيها خوفاً من أي اتهامات بالعنصرية أو معاداة المرأة وحقوقها.
مثلاً.. انا انظر بارتياب كبير الى تأنيث التدريس في مدارس المرحلة الابتدائية وبشكل يمثل قمة التعسف والتعصب والعنصرية والفئوية غير المقصودة، وهي عنصرية عكسية تلغي الذكور تماماً من حياة الأطفال وتفرض عليهم عالماً من الاناث.
هذا الفصل العنصري وإجبار الطفل في المرحلة الابتدائية على التعامل مع جنس بشري واحد هو.. المرأة.. هو أمر بالتأكيد له جوانب سلبية كثيرة، لكن لم نشاهد او نقرأ- مع الأسف- دراسات تقيّم هذه التجربة تقييماً علمياً، واتمنى لو كانت هناك دراسات في هذا الأمر ألا يبخل علينا بها أصحابها ويزودونا بنسخة منها للاستزادة والاستفادة وربما تصحيح الانطباع لدينا إن كان خاطئاً.
ما فتح هذا الموضوع لدي أمران، الأول.. بيان منظمة العفو الدولية الصادر قبل أسبوع تقريباً والمتعاطف مع المثليين والمبرر لهم سلوكهم والداعي إلى التعامل معهم وعدم منع الوافدين منهم من دخول البلاد، هذا البيان فتح تلقائياً في ذهني موضوع (الجنوس) و(البويات) وأسباب تفشي مثل هذه السلوكيات لدينا وبشكل ربما صار يفوق ما نراه في الغرب، واقتناعي ان علاج مثل هذه الظواهر في الصغر هو الأنجع والأسلم وليس انتظار الصغار حتى يكبروا مثلما يظن البعض أن مجرد دخولهم «التجنيد الإلزامي» يحولهم رجالاً تمشي التيوس على زنودهم وتقف الصقور على شنباتهم المبرومة.
أما الأمر الثاني الذي حفَّزَ رغبتي للكتابة في هذا الامر، فهو الهجمة «الإصلاحية» التي يشنها وزير التربية وزير التعليم العالي الدكتور نايف الحجرف، وهي هجمة اتمنى ان تواصل طريقها بشكل اصلاحي فعلاً حتى النهاية.
واتساءل دوماً: هل من مصلحة النشء في الكويت ألا يتعامل إلا مع الاناث؟.. مدرسات واخصائيات اجتماعيات وفراشات خدمة ومدربات رياضة وناظرات ووكيلات، ولا يتعامل هذا الطفل مع الذكور؟
هل من الحكمة عندما يتم فصل مدارس المرحلة الابتدائية حسب الجنس نجدهم يفرضون على الاولاد في مدارسهم الا يتعاملوا الا مع النساء؟!
أظن ان معظم اطفال الكويت لا يقضون وقتاً كافياً مع آبائهم في منازلهم، وبالتالي فهم عرضة الى التعامل مع «الأم» اكثر، والام الكويتية جزاها الله الف خير تساهم في توصيل الابناء الى مدارسهم وتدريسهم بعد عودتهم ومتابعة اجتماعات اولياء الامور وتوفير متطلباتهم المدرسية من المكتبات والاسواق ومتابعة فروضهم المدرسية وتحفيظهم الآيات القرآنية الكريمة والاحاديث الشريفة والاشعار أيضاً.. أمهم هي التي تتابع معهم شؤون طعامهم ولباسهم وحتى دخولهم الحمام – أجلَّكم الله -.. وان لم تقدر الام لأي سبب من الاسباب فإن البديل مؤنث أيضاً.. الخادمة.
بالتالي.. صار لدينا طلبة ذكور لا يتعاملون مع الذكور الا بعد انقضاء سنوات الحضانة والروضة والابتدائي.. في عالم «حريم.. حريم».
ثم فجأة تنقلب الآية وتتحول من حالة الأنوثة الكاملة الى حالة من (الذكورية المطلقة) في المراحل الدراسية اللاحقة.
هل درسنا هذا الوضع علمياً؟؟ هل هذه الاوضاع صحية وتربوية؟ هل يجب اعادة النظر في قرار تأنيث التدريس في المرحلة الابتدائية للطلبة الذكور؟ هل بحثت وزارة التربية ذلك؟ هل استعانت بمتخصصين تربويين من الخارج لكي لا تسيطر عليهم أي نوازع اجتماعية بشكل يطغى على الجانب العلمي لتقييم التجربة؟.. وأخيرا.. هل يكون لهذا الامر نصيب من اهتمام الدكتور نايف الحجرف، ام يصعب ذلك خصوصا وان وزارة التربية نفسها بعدما انتهت من تأنيث المدارس بدأت في تأنيث نفسها كوزارة فصار معظم مسؤوليها من النساء.
وبالتالي.. ربما لا نتوقع من النساء اتخاذ خطوات من هذا النوع؟

وليد جاسم الجاسم
waleed@alwatan.com.kw
انستغرام: @waleedjsm
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.