ثمة نوعية معينة من الناس من يبدو انهم عاهدوا أنفسهم على التذمر والشكوى من أوضاع مجتمعهم, من دون أن يبادروا بخطوة إيجابية بهدف تحقيق الاصلاح الذي ينشدونه. فترى بعض هؤلاء الأفراد يختارون أن ينظروا إلى العالم من حولهم وكأنه مليئ بالفوضى والفساد, وهم فقط, بالنسبة الى أنفسهم, أصلح بني البشر وأكثرهم استقامة والتزاماً! ويطلق المختصون على هذه الطريقة في التفكير “الأحادية.” أي أن بعض الأفراد يختارون وبإرادتهم الشخصية أن ينظروا إلى ما يحدث في بيئتهم الاجتماعية من وجهة نظر أحادية وشخصانية للغاية. فبالنسبة لمن يعتنقون التفكير الاحادي: سمة المجتمع هي الفوضى وكل ظاهرة تحدث فيه تدل على فساده وفوضويته… ولكن ما يفتقده هذا النوع من الأفراد السلبيين والمحبطين بإرادتهم هو مصارحتهم ومكاشفتهم لأنفسهم: فلا يتجرأ أحد هؤلاء المتذمرين على طرح سؤال موضوعي وعقلاني على نفسه: كيف يصلح المجتمع ما لم يبدأ الفرد, عضو المجتمع, في إصلاح أحواله وتصرفاته وسلوكياته الشخصية. فإذا كان عضو المجتمع هو اللبنة الأساسية لأي مجتمع إنساني, فمنطقياً: إذا صلح الفرد صلح أغلب ما حوله, وتطور مجتمعه وقوى بنيانه وانتظمت نشاطاته الاجتماعية.
يقول المولى عز وجل: “مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ” “ق 18”. فمن المفترض على الإنسان الذي يعتقد أنه الأصلح والأكثر استقامة من الآخرين, وفق قوله وزعمه, أن يبدأ بنفسه وبمن هم حوله, أعضاء أسرته وأحبائه وأصدقائه وجيرانه. فالاصلاح يبدأ وينتهي في الفرد, ولا يمكن منح المسؤولية الكاملة لتحقيق الاصلاح الاجتماعي المطلوب لجهة عليا مسؤولة: فالمجتمع هو بشكل أو بآخر تجسيد لتصرفات أغلبية أعضائه. فإذا تكرست ثقافة قبول الاختلاف, والنظامية واحترام القانون والحفاظ على الممتلكات العامة, واحترام خصوصيات الناس في قلوب وأذهان أغلبية أعضاء المجتمع, صلحت أحوالهم.
ولا يمكن أن يتحقق أي أمر ما لم يكن ثمة شخص مسؤول عن أدائه. ولا يمكن تخيل أن تتكرس النظامية في مجتمع معين أو تقل فيه مظاهر الفساد, ما لم يقتنع عضو المجتمع أنه هو نفسه من يبدأ كل عمليات الاصلاح المنشودة. فالشخص العاقل والرزين يبادر الى إصلاح شأنه الخاص أولاً وبعدئذ ينتظر نتائج سلوكياته الايجابية. وبالطبع, لا يمكن توقع أن تتحقق المثالية الأخلاقية في أي مجتمع إنساني, ولكن ما إن يبدأ الفرد بتحقيق آماله وتطلعاته الايجابية في حيزه الشخصي والأسري, فستتحقق تلك التطلعات الايجابية في المجتمع ككل.
* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق