كثرت في السنوات الأخيرة نزعات الكويتيين للسفر في العيد وزادت لديهم الرغبة في الابتعاد عن البلد ومن عليها, ولو كان في المبيت في شاليه أو مزرعة وذلك بحجج كثيرة:
أولها: يظنون أنهم وأطفالهم أولى بالتمتع بقيمة لباس العيد, وثمن حذاء العيد, وبنقود الزينة في الشعر والزينة في اليد والزينة على الوجه, وهي حقيقة حجة غير مقنعة ولا منطقية, وذلك لأن الكويتيين أكثر من هم على استعداد لصرف الغالي والنفيس في سبيل المظهر, حتى لأنك في زيارة لأي سوق تجاري في الكويت تظن من شدة تأنق الناس وغلو مظهرهم أن الكويت في كل يوم على لقاء بالعيد.
ثانيا: ان كثيرين يرون في العيدية عبئاً مالياً أو ضغطاً اجتماعياً اقتصادياً لا يتوجب عليهم تحمله, وأنهم -مرة أخرى- يفضلون لو استفاد بنوهم وصغارهم بقيمة ما يضطرون لتوزيعه من أموال على صغار الأهل والزوار, الأمر الذي تشوبه شائبة فوق شائبة وينقصه المنطق, وذلك لأن الفرض الاجتماعي باسم العيدية قد يجبرك كفرد منتج عامل ان تساهم في رسم فرحة على وجه طفل, لكنه لا يلزمك بثمن تلك الابتسامة تحديدا, ولا يشترط عليك رقمها, أنت وحدك من يضع نفسه في زاوية الدينار أو الاثنين أو الخمسة أو العشرة, وكما ترخص قيمة الدينار أمام وجبة سريعة من مطعم يضر بكبد وطحال طفل, يجب أن يرخص الدينار أمام فرحة طفلك أوغيره بعيدية العيد.
ثالثا: الهروب من الالتزام العائلي وضغط القرائن يعد أحد أهم الأسباب التي تدفع بالكويتيين إلى الابتعاد في العيد, حتى أن الكثيرين يؤثرون تمضية أول يوم في العيد تحديدا بعيدا عن البلد تفاديا للاجتماع الأول بالأهل الذي قد يضطرهم إلى البحث في سر سعادة فلان, وسبب رشاقة فلانة رغم كثرة العيال, وسبب راحة فلان مع زوجه وبنيه, والسر في شباب فلانة, وكثيرة هي الأسباب التي قد تجعل من أي إنسان غيور أن يتحول إلى حقود وحاسد, وكثيرة هي الأسباب كذلك التي تجعل الحقود والحاسد يرى الناس بمجهر عينيه, فيخاف حسدهم وحقدهم أن يطاله بالمثل أو يطال أبناءه.
رابعا: العبء الذي يشكله الاستعداد بالمنزل لاستقبال الضيوف أصبح هو الاسطوانة الشارخة لا المشروخة, وهو أكبر العيوب التي أتت مع فكرة السفر أو الابتعاد في العيد, وذلك لأن حتى أولئك المسؤولين عن استقبال العائلة في منزل “للعائلة”, وحتى بيوت الجد والجدة أصبح أبناؤهم فيها يؤثرون إغلاقها في وجه من قصد الكبار زائرين ومعايدين وواصلين للرحم, فبات أبناء الجد والجدة على وهن من الاستعداد لاستقبال الناس, وعلى مضض من مسؤولية حمل المنزل على الاستعداد لاستقبال الزوار الكثر, حتى آثروا السفر حاملين معهم كبار السن على مضض بحجة الترفيه عنهم, متغافلين عن حقيقة أن كبار السن هؤلاء لا أحب لديهم ولا أعز عندهم من وجوه توصل الرحم بهم ولا تقطعه.
العيد جمعة على فرحة, والعيد وصال لكثير من الأهل الذين تشغلنا عنهم الحياة فلا نجتمع بهم إلا في السنة مرة, والعيد فرصة لنفرح فيها بعمر امتد ليعيش فرحة جديدة وسط جذور عائلية لو انقطعت بنا لما هنأنا ولا قامت لأبنائنا عزوة.
h_alhuwail@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق