حسين الراوي: اكسر كأس الحزن

لا تحزن أكثر مما يجب، وإن حزنت فلا تخضع للحزن كثيرا كثيراً. الانغماس بالحزن يورثك هماً طويلاً يفتك بالروح والبدن. ارتدِ قماش حزنك كما هو، كما جاء على قياسك، من دون أن تمط به أو تحاول أن توسعه عبر ما تقوم به من شدة انكسار وانغماس مُرّ بالوحدة والألم.
كل حزن جديد تشربه اكسر كأسه على الفور ولا ترصفه وتلمعه على رف قلبك. الألم في القلب لا يحتاج منك لمأتم وعويل، الألم عندما يداهمك عليك أن تعامله بحزم من أجل ألا يأخذ أكبر من حجمه ولا أطوّل من مدته. وطّن قلبك على أن يتعايش مع أحزانه بهدوء من غير هلع أو جزع، الآلام حتى يقصر عمرها في قلوبنا لابد أن نتهيأ لها بالقناعة في أمر حصولها، والرضا في أمر تقبلها، والحزم مع عدم الركون لها، والسعي الدؤوب لإزالتها، وأن تعلم جيداً بأن هذه الحياة طُبعت على نكد وأن أيامها ليست دائماً بيضاء ومبتسمة.
وقد كتب العالم الرباني المسمى بطبيب القلوب الإمام ابن القيم عن عموم الحزن وماهيته: «إن الحزن موقف غير مسير ولا مصلحة فيه للقلب وأحب شيء إلى الشيطان: أن يحزن العبد ليقطعه عن سيره ويوقفه عن سلوكه». وكتب : «الحزن يضعف القلب، ويوهن العزم ويضر الارادة ولا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن لذلك افرحوا واستبشروا وتفاءلوا وأحسنوا الظن بالله وثقوا بما عند الله وتوكلوا عليه وستجدون السعادة والرضا في كل حال».
وكتب أيضاً بكلام يكتب بماء الذهب: «والمكروه الوارد على القلب: إن كان من أمر ماض، أحدث الحزن، و إن كان من مستقبل، أحدث الهم، و إن كان من أمر حاضر، أحدث الغم»، ومن ذلك قول الرسول الكريم: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ من الجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال». رواه البخاري. قال الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله في تفسيره لهذا الحديث: فاستعاذ من ثمانية أشياء كل اثنين منها قرينان. فالهم والحزن قرينان وهما من آلام الروح ومعذباتها والفرق بينهما: أن الهم توقع الشر في المستقبل والحزن التألم على حصول المكروه في الماضي أو فوات المحبوب وكلاهما تألم وعذاب يرد على الروح فإن تعلق بالماضي سمي حزنا وإن تعلق بالمستقبل سمي همًّا.
والعجز والكسل قرينان وهما من أسباب الألم لأنهما يستلزمان فوات المحبوب فالعجز يستلزم عدم القدرة والكسل يستلزم عدم إرادته فتتألم الروح لفواته بحسب تعلقها به والتذاذها بإدراكه لو حصل.
والجبن والبخل قرينان لأنهما عدم النفع بالمال والبدن وهما من أسباب الألم لأن الجبان تفوته محبوبات ومفرحات وملذوذات عظيمة لا تنال إلا بالبذل والشجاعة والبخل يحول بينه دونها أيضا فهذان الخلقان من أعظم أسباب الآلام.
وضلع الدين وقهر الرجال قرينان وهما مؤلمان للنفس معذبان لها أحدهما قهر بحق وهو ضلع الدين والثاني قهر بباطل وهو غلبة الرجال وأيضا فضلع الدين قهر بسبب من العبد في الغالب وغلبة الرجال قهر بغير اختياره».
في نهاية المقال أتمنى السعادة لكل من يستحقها.

Twitter: @alrawie
roo7.net@gmail.com
المصدر جريدة الراي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.