عادل الصرعاوي: تعديلات قانون B.O.T خطوة إلى الوراء

نقدر كثيرا جهود أعضاء اللجنة المالية بمجلس الأمة، وهم بصدد مناقشة التعديلات الحكومية على القانون 7 لسنة 2008، بتنظيم عمليات البناء والتشغيل والتحويل والأنظمة المشابهة، وتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 105 لسنة 1980.

سبق ان أكدنا ونؤكد ان جميع التشريعات قابلة للتقييم والتعديل عليها، كما لا نصادر حق أي من كان من اقتراح التعديلات التي يراها، على أن تكون وفق منطلقات واضحة ومفهومة ومبررة، وليس أن تكون تعديلات من اجل التعديل، أو من اجل إفراغ القانون من محتواه.

والمسألة الجوهرية التي يجب الحرص عليها هي الا تكون التعديلات الحكومية على القانون نابعة من الرضوخ لأصحاب المصالح والنفوذ، الذين تعطلت مصالحهم من القانون الحالي، الذي أغلق كل المنافذ التي من شأنها التعدي واستغلال أملاك الدولة.

كما ينبغي التشديد على ألا يكون لقرب انتهاء بعض عقود أملاك الدولة إسقاطات من شأنها الاستعجال بإقرار التعديلات على القانون، متمنيا من الجميع الاطلاع على تقرير وزير المالية بشأن تطبيق نص المادة 18 من القانون رقم 7 لسنة 2008، والخاصة بتقديم تقرير يتضمن كشفا تفصيليا بجميع المشروعات المشار إليها بالمادة 3 من القانون، حيث انه مرفق به كشف يتضمن اسم المشروع واسم المستثمر وتاريخ العقد، وتاريخ انتهاء العقد وفترة التشغيل والموقع والمساحة والقيمة الايجارية.

ديوان المحاسبة

ووفق المعلومات المتاحة، فانه من المستغرب أن يتم تجاهل رأي ديوان المحاسبة بالتعديلات المقترحة، وعدم دعوته من قبل اللجنة المالية للمشاركة باجتماعات اللجنة، إلا إذا كانت هناك قناعة مسبقة بان الديوان سيبدي ملاحظات عكس اتجاه التعديلات المقترحة على القانون.

والاستحقاق المهم أمام أعضاء اللجنة هو استطلاع رأي ديوان المحاسبة بشأن التعديلات الحكومية على القانون رقم 7 لسنة 2008، بتنظيم عمليات البناء والتشغيل والتحويل والأنظمة المشابهة، وتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 105 لسنة 1980.

فديوان المحاسبة سبق ان اعد 3 تقارير بشأن التجاوزات والمخالفات التي شابت عقود وعمليات ما يسمى بالمبادرات، حيث تناول بالتفصيل التجاوزات والتعديات على أملاك الدولة وذلك وفق التالي:

تقرير ديوان المحاسبة بشأن بعض جوانب التصرف في أملاك الدولة العقارية والصادر بشهر سبتمبر 2005.

تقرير ديوان المحاسبة بشأن تكليف مجلس الأمة الخاص بعقود B.O.T بخصوص البناء والتشغيل والتحويل الصادر بشهر أغسطس 2006.

دراسة ديوان المحاسبة بشأن استغلال أملاك الدولة في المشاريع التنموية.

لذلك ومن هذا المنطلق، فإن أي تعديلات من شأنها إفراغ القانون من محتواه بحجة التنمية هي مرفوضة تماماً.

استبعاد القيمة السوقية لأرض المشروع

وعند النظر إلى التعديلات الحكومية على القانون نلاحظ أن استبعاد القيمة السوقية المقدرة لأرض المشروع أو حق الانتفاع بها من التكلفة الإجمالية المقدرة بدراسة الجدوى الاقتصادية للمشروعات (المادة 6 وفق المقترح الحكومي) هي بحقيقتها إفراغ للقانون، ومن شأنها أن تستبعد معها طرح أي مشروعات تنموية للاكتتاب العام، ليستفيد منها المواطنون من خلال الاكتتاب بها، حيث ستكون قليلة إن لم تكن مستبعدة أي مبادرات بمشروعات تنموية تزيد تكلفتها على 250 مليون دينار من دون قيمة الأرض أو حق الانتفاع منها، إضافة إلى إن هناك الكثير من المبادرات قد تكون تكلفتها اقل من 100 مليون، بعد رفع السقف من 60 مليوناً إلى 100 مليون، وبعد استبعاد القيمة السوقية المقدرة لأرض المشروع أو حق الانتفاع، أي باختصار فان معظم المشروعات التنموية ستكون بالمنافسة، ولن تؤسس لها شركات للاكتتاب العام، مما يعني انعدام فرصة استفادة المواطنين من تأسيس تلك الشركات.

واللافت انه بعد مهاجمة القانون الحالي بأنه لا يفي بحقوق أصحاب المبادرات، بل انه لا يشجع المبادرين، وذلك من خلال وجوب تخصيص %10 فقط من الأسهم لصاحب المبادرة المقبولة، يأتي المقترح الحكومي بإلغاء هذا الحق (%10) في حال كان المشروع متميزا وليس إبداعيا وغير مسبوق، أي أن هناك تفريقا بين المشروع الإبداعي غير المسبوق عنه من المشروع المتميز، لذ فإن السؤال المستحق هو لمصلحة من التفرقة بين المشروع المتميز عنه من المشروع الإبداعي؟

المشروع المتميز

ومن الملاحظات أيضا استحداث مصطلح المشروع المتميز وتعريفه الوارد بالمقترح الحكومي هو بطبيعة الحال إلغاء لشرط الإبداعية غير المسبوقة، وهو الأمر الذي من شانه أن يفتح الباب على مصراعيه لتمويل مشروعات ومبادرات قد يختلف على تعريفها أو جدواها الاقتصادية، وهو الأمر الذي طالما حذر منه ديوان المحاسبة وفق تقاريره، فهل يعقل أن يتم تبني مشروع بنايات سكنية أو تجارية على اعتبار أنها مشروعات تنموية؟ فهذا الأمر بحاجة إلى توضيح وتدقيق.

استبعاد دراسات الجدوى ومخططات المشروعات لمصلحة من؟

لقد ركز القانون الحالي على ضرورة جدية المبادرات، لذلك اشترط عند تعريف المبادرة على إرفاق دراسات الجدوى ومخططات التفصيلية للمبادرات، ليأتي المقترح الحكومي الجديد بإلغاء هذا الشرط، وبالتالي يكتفي فقط بشرح فكرة المبادرة من دون اشتراط تقديم دراسات الجدوى ومخططات المشروع، ليعيد للأذهان الممارسات السابقة من ان هناك مبادرات بمئات الملايين تم اعتمادها وتخصيص أراضي أملاك الدولة لها، وهي بحقيقتها عبارة عن كتاب بخط اليد أحيانا، ولا يتعدى الصفحة الواحدة، وهو الأمر الذي حذر منه مرارا وتكرارا ديوان المحاسبة بموجب تقاريره السابق الإشارة إليها.

تعارض المصالح

غير مبرر التعديل الحكومي للمادة 11 بشأن إلغاء الشرط الوارد بالقانون الحالي، بان يكون الاثنان المعينان من ذوي الخبرة من قبل مجلس الوزراء من موظفي الدولة ليكون تعيينهما عاما، وبما يسمح من أن يكونوا من أصحاب المشاريع، أو من ممثلي الكيانات الاقتصادية العاملة بالقطاع الاقتصادي بالدولة، الأمر الذي من شانه أن يحدث معه تعارض مصالح، وهو الأمر الذي بحاجة إلى وقفة من قبل اللجنة المالية بالمجلس.

التسهيلات الائتمانية

قد تكون هناك فعلا صعوبات تواجه بعض المبادرين بشأن تمويل بعض المبادرات، إلا أن التفكير بإضافة مواد من شانها أن تكفل تقديم بعض التسهيلات الائتمانية مقابل رهن بعض الأصول بالمشروع، أو بضمان بعض الإيرادات المتوقعة للمشروع يعتبر أمرا حساسا وفي غاية الخطورة، وبحاجة إلى دراسة قانونية ودستورية عميقة من قبل ديوان المحاسبة، وان كنت احذر من عواقبها.

تحصين قرارات اللجنة العليا للمشروعات

كما أن إلغاء الفقرة الواردة بنهاية المادة 11 من القانون الحالي، والتي تنص على:

«لا تكون قرارات اللجنة نافذة إلا بعد اعتمادها من وزير المالية» من شانها أن تخلي وزير المالية من المسؤولية عن أعمال اللجنة العليا للمشروعات التي تقام على أملاك الدولة، وبالتالي ليس هناك من يسأل أمام مجلس الأمة، وعليه لا يمكن أن يمارس مجلس الأمة دوره الرقابي بالمساءلة السياسية لا لوزير المالية ولا لغيره من الوزراء، بمعنى ان هذا التعديل بحقيقة الحال هو تحصين لقرارات اللجنة.

مجلس الوزراء ودوره في تجديد العقود القائمة

تردد أخيرا الحديث حول تعديلات على القانون رقم 105 لسنة 1980 بما يخول مجلس الوزراء حق تجديد العقود القائمة لمدد مماثلة لعقودها الحالية، وهو الامر الذي يعتبر نسفا للفكرة القائمة عليها القوانين الحالية، ومما يعكس بان هناك تخوفات لدى البعض كون ان بعض عقود املاك الدولة قد قاربت على الانتهاء، أو من المتوقع انتهاؤها حلال السنتين القادمتين، مما يعني بان هذه التعديلات هي تعديلات استباقية كون ان تلك العقود ستؤول ملكيتها للدولة وفق القوانين السارية.

خاتمة

ثقتنا كبيرة برئيس وأعضاء اللجنة المالية بدراسة التعديلات المقترحة من كل النواحي والأبعاد، آخذين بالاعتبار التجربة السابقة لجهاز المشروعات التنموية، ومتمنيا من جميع المهتمين والمختصين من أفراد ومؤسسات المشاركة بإبداء الرأي وتقديم المشورة بشأن التعديلات الحكومية للقانون، وذلك لأهميته وانعكاساته على الاقتصاد الوطني.
عادل الصرعاوي
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.