وليد الجاسم: استراتيجية “ياك الذيب”.. لطمية حكومية ماصخة

مع حكومة لا تعرف آليات الإنجاز ولا تقدر عليه، فمن الطبيعي أن تبدأ قصيدتها بالكفر، فهي حكومة لا تتقن غير فن اللطم والنياحة.. واستخدام استراتيجية بو صالح راعي الثلج مع ابنه في (درب الزلق).. عندما يصرخ الولد محدود الذكاء على أبيه ساخراً.. يبه.. يبه.. ياك الذيب.. ياك الذيب!
أسمع عن نظريات التقشف وشد الحزام منذ الثمانينات ولا أرى تصرفات حكومية تدل على ذلك إلا عبر محاولات للتوفير من قوت الناس أو مما اعتاد الناس عليه في دولة ثرية محدودة السكان، بينما لا نرى من الحكومات أي ترشيد حقيقي للإنفاق الكبير الذي يسفك في مصارف أخرى.. أو عقلنة للصرف الأرعن والأخطاء الحكومية الكبيرة المكلفة مالياً.
في الثمانينات بدأت العمليات التقشفية بأكل طلبة رياض الأطفال والمراحل الابتدائية.. ومنذ ذلك اليوم سمعت والدي – أطال الله في عمره يقول مستنكراً.. اللي يوفر في أكل اليهال وين الله يوفقه؟!
المهم حدث الغزو الغاشم وجاء التحرير.. واستمرت منذ ذلك الحين صرخات شد الحزام والتقشف تطلع علينا بين فترة وفترة، إنها حكومات في الأزمات.. تغدق، وفي الاستقرار.. تهدد، وهذه ليست من أخلاق الفرسان. أحياناً نعذر الحكومة بسبب تراجع أسعار النفط الشديد الذي حدث في التسعينات، وأحياناً أخرى لا نجد لها العذر لأنها في الحقيقة هي المبذر الأكبر وهي الصارف الأعظم للأموال وهي من «يبعزق» الأموال ويبعثرها ذات اليمين وذات الشمال وهي مَن تدفع أضعاف ما يجب أن يدفع لإنجاز المشروعات التي تنجز دول خليجية مثلها ولكن بأسعار أقل منها وبوقت أقل منها أيضاً.
عشرون سنة وأكثر والحكومات «تزن» على راسنا.. شد الحزام والتقشف مرة.. والحزمة الاقتصادية مرة.. وتأجيل المشروعات التنموية مرة.. ورفع أسعار السلع ومضاعفة أسعار البنزين وزيادة الرسوم مرات ومرات.
أمس، بشرنا سمو رئيس الوزراء بأن دولة الرفاه الحالية التي تعوّدها الكويتيون.. غير قابلة للاستمرار ويدعو سموه الى «تحوّل المجتمع المستهلك لمقدرات الوطن الى مجتمع منتج للثروة».
ثم يقول سموه «آن للمجتمع أن ينفض عن كاهله الخلافات والفرقة ويستعيد عجلة الإنتاج».. بالمناسبة حلوة يستعيد عجلة الإنتاج.. بس ودّي أعرف متى كان عندنا أصلاً عجلة إنتاج لكي نستعيدها؟!.. ماعلينا.. خلونا في موضوع المقال. ويكمل سموه متهماً الكويتيين بشكل غير مباشر بـ«ضعف روح المواطنة المسؤولة والانتماء».
أما الوزيرة رولا دشتي.. فقد قالت لا فض فوها إن الحكومة انتقت شعاراً لبرنامج عملها يقول (شراكة في المسؤولية لاستدامة الرفاه).. وحذرت من أن استمرار تدني أسعار الرسوم على الخدمات والسلع وغياب العوائد الضريبية مع استمرارية الإنفاق سيؤديان الى العجز لا محالة خلال الأعوام 2021 الى 2029.
ثم قالت الدكتورة رولا «كلام كبير قوي.. كلام صعب».. حيث تحدثت عن «الارتباط العضوي بين المسارين التنموي والإصلاحي».. وهذا ذكرني بالأخ الفنان الكوميدي سعيد صالح عندما قال.. «كلمونا بالهجايص أحسن».
والحقيقة أن من يقرأ كلام رئيس الوزراء وكلام وزيرته الدكتورة رولا دشتي يظن أننا إما سنواجه «الطاعون» فصرخت الحكومة «الفئران قادمة.. احموا أنفسكم من الفئران» أو أن حرباً طاحنة تنتظرنا.. أو مجاعة تهددنا.
ولهذا جاء الخطابان مملوءان بكلمات التهديد والوعيد وضرورة تحمل المسؤوليات قبل الإفلاس ورفع أسعار الخدمات والسلع التي تبدو – حسب وجهة نظر خطة الحكومة – وكأنها هي التي سوف تنقذ الدولة.
أظن أن الحكومة تحاول تحفيز الناس نحو العمل الإيجابي لكنها اختارت أسوأ أسلوب للتحفيز.. اختارت أسلوب التحفيز السلبي المرتكز على التهديد والتخريع.. «وياك الذيب.. ياك الذيب»..
وهذا إن دل فإنما يدل على أن الحكومة أصلاً عاجزة حتى عن حسن اختيار من يكتب لها البيانات والكلمات، فما بالكم بقدرتها على إدارة البلد أصلاً.
«سمو» الرئيس.. «سمو» د.رولا.. (كيفي ابي أعطيها اللقب).. إن الحكومة بتصريحاتها الكئيبة هذه هي جزء أساسي من مكونات ومصنعي الكآبة في البلاد، وأنا أقترح عليكم أن تعرضوا على الشيخ محمد بن راشد أن يتولى إدارة المشروعات الكويتية كلها بنظام B.O.T لمدة أربع سنوات.. وخلونا نشوفه شلون يجيب الذيب اللي تهدّدونا فيه من ذيله.. ويكره كرّ من عتراه جدامنا.
قولوا الحمد لله على النعمة واعلموا أن النفط هبة الله للكويت كلها.. واعلموا أن حكوماتكم هي من أساء استخدام موارده وحفظ وفوراته، وهي من رسخ السلوكيات الخاطئة والأنماط الاستهلاكية، وهي من تعيّن جيوش المستشارين وتغدق عليهم وهي من تصرف الأموال بسفه وتنفيع داخل وخارج البلاد.. فارحمونا وارحموا أنفسكم واتقوا الله، فالأمانة عظيمة وأنتم مساءلون عنها.

وليد جاسم الجاسم
waleed@alwatan.com.kw
انستغرام: @waleedjsm
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.