تورد مصادر مختلفة معلومات متفرقة عن التنظيم الدولي للاخوان المسلمين. وتعمد جماعة الاخوان عادة الى التكتم وعدم التعليق على مثل هذه المعلومات بل وتنفي وجود التنظيم الدولي كلية، أو اتهام الخصوم المحليين والدوليين بالمبالغة والتهويل في هذا التنظيم واهدافه ومدى تغلغله.
ولقد اشرنا في مقال سابق الى كتاب بعنوان «نشأة التنظيم الدولي للاخوان المسلمين من البداية حتى السبعينيات»، وهو كتاب كما شرحنا بعيد كل البعد عن ان يشبع فضول القارئ حول هذه الهيئة الغامضة التي تتبع جماعة اكثر منها غموضا وقلة شفافية.
وقد صدرت منذ فترة قريبة موسوعة ضخمة في مجلدين واكثر من 2600 صفحة بعنوان «الحركات الاسلامية في الوطن العربي»، عن مركز دراسات الوحدة العربية، وقد اشرف عليها د.عبدالغني عماد. ورغم ضخامة حجم المعلومات الواردة في السفرين عن الحركات الاسلامية وجماعة الاخوان المسلمين خاصة، الا انني لم اجد فيها معلومات وافية عن «التنظيم الدولي للاخوان المسلمين» ونشاطاته، وان كانت الموسوعة قد تحدثت بالتفصيل عن تنظيمات الاخوان داخل وخارج العالم العربي واوروبا والولايات المتحدة.
وكان مركز دراسات الوحدة العربية نفسه، قد اصدر قبل نحو عشر سنوات، عام 2004، كتابا في المجال نفسه بعنوان «موسوعة الحركات الاسلامية في الوطن العربي وايران وتركيا، للدكتور احمد الموصللي، استاذ العلوم السياسية في الجامعة الامريكية في بيروت.
وتتضمن هذه الموسوعة بعض المعلومات المهمة تحت عنوان «المنظمة الدولية للاخوان المسلمين»، حيث يقول د.الموصللي ان هذه المنظمة الدولية التي اسسها الاخوان المسلمون في مصر، قد شكلت «لكي تعلن القرارات العامة المتعلقة بأهداف الاخوان، خصوصا في اوقات الازمات والمشاكل التي قد تحيط فرعا معينا في بلاد ما أو غيره».
وكانت بدايتها لجنة اسسها مرشد الاخوان حسن البنا للاتصال بالعالم الخارجي ترأسها اولا د.توفيق الشاوي وبعد ذلك عبدالحفيظ الصيفي.
ويعتبر المستشار القانوني د.توفيق الشاوي (1918 – 2009) من الرعيل الاول لجماعة الاخوان المسلمين وممن صحبوا حسن البنا ولعب دورا بارزا في الجماعة منذ ان التحق بها عام 1937، حيث انتدبه البنا للعمل في «قسم الاتصال بالعالم الاسلامي»، ربما النواة الاولى للتنظيم الدولي فيما بعد. وقد اعتقل عام 1954 بعد «حادثة المنشية»، ثم افرج عنه فسافر الى المغرب عام 1958 ولعب دورا اساسيا في زرع خلايا الاخوان هناك وعمل لاحقا في الجامعات السعودية.
وفي ندوة بالقاهرة، اكد د.ابراهيم البيومي غانم على ان د.الشاوي حذر الاخوان في بداية الثمانينيات من تأسيس التنظيم الدولي للاخوان، لأن هذه الهيئة تشكل خطورة على الدعوة والحركة الاسلامية في مصر والبلدان الاخرى، وانها ستكون بمثابة «قيد يوضع في رقبة الاخوان المسلمين وسوف يُقدمون بسببه الى المحاكم المدنية والعسكرية في الدول العربية والاسلامية، ولن تسمح أي دولة عربية بتسجيل هيئة بهذا الاسم، ناهيك عن الدول الاجنبية». (islamyun.net.، 2009/10/18).
وقال د.سليم العوا في نفس الندوة، ان علاقة «الشاوي» بجماعة الاخوان المسلمين ظلت قوية طيلة حياته منذ انضمامه عام 1937، «حتى وان تعرض للفصل من الجماعة في بعض فترات الجنون». واضاف: «كنت حينها معه في بريطانيا، وسألته عن صحة قرار الفصل من الجماعة، فقال لي نعم صدر قرار، ولكن بفصلهم – يقصد الجماعة – انا قسمت بفصل الجماعة وهم لا يقدرون على فصلي من التنظيم. هكذا كان الشاوي يرى نفسه اكبر من الجماعة».
وذكر د.سيد دسوقي الاستاذ بكلية الهندسة في الندوة، في اطار سرده لذكرياته مع الشاوي، عن موقف الشاوي الرافض بشدة للتنظيم الدولي، وقال انه صحب الشاوي مرتين الى لقاء مرشد الاخوان، والتحذير من اقامة أي صلات مع اخوان اوروبا وعدم التورط معهم في أي تعاون من أي نوع».
واضاف د.دسوقي ضمن ذكرياته عن دور الشاوي في حركة الاخوان ان د.الشاوي كان يدفع المال بسخاء للاخوان، و«كان يعطي الحركة الاسلامية عطاء من لا يخشى الفقر»، وقد دفع بنفسه تكاليف قضايا شهيرة للاخوان.
بعد حل الاخوان في 1954، يقول د.الموصللي في موسوعته، تحول «فرع الاتصال بالعالم الاسلامي» الى منظمة دولية، بعد انتشار العديد من اعضاء القيادة في كافة انحاء العالم، ولعبت المنظمة الدولية للاخوان دورا اكثر اهمية لأنها كانت القناة التي سهلت الاتصال والتنظيم. وكان للدكتور سعيد رمضان، صهر المرشد البنا، دور فعال في تطوير المنظمة. وبعد خروجه من مصر رحل د.رمضان اولا الى الاردن ثم سويسرا حيث اسس اول فرع للاخوان في اوروبا. ثم انتشرت مراكز اخرى في اوروبا، والمركز الاكثر اهمية هو الذي تم تأسيسه في ميونيخ بألمانيا، واداره لوقت طويل محمد مهدي عاكف، مرشد الاخوان في وقت لاحق. وقد توفى د.رمضان سنة 1995، ومازال ابنه طارق يدير بعض اعمال ابيه. ومن الاعضاء المهمين الآخرين في منظمة الاخوان الدولية، يقول د.الموصللي، كل من يوسف ندا ويوسف القرضاوي ومصطفى مشهور، الذي بقي في ألمانيا من 1981 الى 1986. ولم تؤسس المنظمة الدولية للاخوان الفروع في العديد من الدول فحسب، بل يضيف د.الموصللي، «اهتمت اهتماما شديدا بالشباب واتحادات الطلبة مثل الاتحاد الاسلامي العالمي للمنظمات الطلابية الذي أُسس اثناء حج عام 1968، وتضمن طلابا مسلمين من كندا والولايات المتحدة الامريكية واوروبا والسودان. غير ان الفرع الاكثر اهمية في هذا الاتحاد هو جمعية الطلاب المسلمين في الولايات المتحدة وكندا، وقد نشر بعض كتابات د.سعيد رمضان ومصطفى مشهور ود.يوسف القرضاوي وآخرين، كما اسس مصرف التقوى. ويقول د.الموصللي ان المنظمة الدولية للاخوان «تجمع رؤساء الفروع لكي يتشاوروا في الشؤون الحالية، ولكل فرع مساحة حرة لادارة شؤونه المحلية، مع الابقاء على تعليمات قيادة الاخوان». ويقول عن القادة المؤثرين في التنظيم الدولي، «لعب عبداللطيف أبوقورة وعمر بهاء الدين وحسن الهويدي وصالح عشماوي ومحمد خليفة ومصطفى السباعي وعبدالعزيز المطوع وآخرون دورا مركزيا في هذه المنطقة».
كل هذه المعلومات والصلات والنشاطات، تظهر بوضوح كم نحن نجهل هذا التنظيم الدولي للاخوان المسلمين، بل كم يجهل نشاطاته ربما الاخوان انفسهم!
خليل علي حيدر
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق