موضوع توقيف السيد جدعان بن هذال متشعب وشائك. ومملوء بالاخطاء والخطايا، من حكومتنا ودولتنا أولا، ومن السيد بن هذال نفسه، ولو ان خطيئته بالكاد تذكر.
وفق ما يشاع، فإن السيد بن هذال «مواطن» كويتي، فإن صح هذا، وهو على ما يبدو صحيحا، فليس من حق الاجهزة الامنية منع مواطن كويتي من دخول الكويت بناء على المادة 28 من الدستور «لا يجوز ابعاد كويتي عن الكويت او منعه من العودة إليها». وتكون الحكومة بهذا السلوك قد خالفت الدستور، قانون القوانين وانتهكت حقا دستوريا للمواطن جدعان بن هذال. اما إذا تحججت الحكومة بأنه مزدوج، فهذه جريمة او خطيئة اخرى تضاف الى اخطاء الحكومة، حيث انها تعلم ان السيد الهذال يتمتع بجنسيات عدة، وانه مخالف لقانون الجنسية لاحتفاظه بها. لكن مادامت لم تتخذ الاجراءات الطبيعية بحقه، فإنها لا تملك منعه من دخول الكويت، لانه لايزال مواطنا كويتيا، يتمتع مثل بقية المواطنين بحقوقه الدستورية والقانونية كاملة.
الخطيئة الاخرى، ان الحكومة لا تملك ان تمنع مواطنا او وافدا من التعبير عن رأيه، سواء حاول ذلك أو أبدى نيته في ممارسة هذا التعبير عن الرأي، كما فعل السيد بن هذال. ان من حق السيد بن هذال ان يتجمع او حتى ان يتظاهر، وما على الحكومة واجهزتها الا احترام هذا الحق. اكثر من هذا، ان الحكومة تحاكم او «توقف» السيد الهذال بناء على «النية» وليس على ارتكابه ــ كما الزعم ــ فعلا او جرما يُحرمه القانون. قال انه سيتظاهر، لكنه لم يتظاهر بعد، ولم يرتكب ما يحرمه القانون. توقيف او اعتقال السيد جدعان بن هذال تم لأنه «فكر» ان يتظاهر. هذا أقسى واقصى فنون التعسف والحجر على الحريات. انها محاكمة النوايا ومعاقبة الافكار، ومصادرة الشعور الخاص والفطري للناس.
نواب التعصب القبلي والولاء العشائري، لاموا الحكومة، ليس لانها اخترقت الدستور الذي يطنطنون به، او انها تعدت على الحقوق المدنية لمواطن كويتي. ولكن لانها لم تعامل «الشيخ» بن جدعان كما يجب ان يعامل شيوخ القبائل. ومن قال ان لشيوخ القبائل معاملة مميزة في دولة الكويت؟ نحن لا نمنح تميزا قانونيا لشيوخنا، يعني ابناء العائلة والاسرة الحاكمة، فهم يحاكمون ويسجنون ويخضعون مثل غيرهم لقوانين البلد.. فلماذا نميز شيوخ القبائل..؟
في النهاية أنا بدأت كتابة المقال فور اعلان توقيف السيد بن هذال، والآن أكتب بعد خبر إنهاء توقيفه. والمؤسف ان القضية كلها انتهت الى لا شيء، لم يكسب السيد جدعان بن هذال ولم يكسب «البدون» ايضا، بل خسروا مع الأسف بامتياز. لكن في رأيي يبقى الخاسر الاكبر نواب القطيع الكويتي الذين سارعوا للتعبير عن قبليتهم وعقليتهم العشائرية، وميراثهم المعادي لمدنية الدولة وللدساتير والقوانين العصرية التي ازعجونا بالحفاظ عليها، وتدافعوا متحاملين على الدولة، بدلا من الانتصار لها، خصوصا ان الكويت تتعرض بشكل مريب هذه الايام، وفق زعم كثيرين، الى تدخلات خارجية تحرك اطرافا في الداخل والخارج ضد النظام العام، وليس بعيدا ان تكون الاحداث الاخيرة جزءا من هذا التدخل المزعوم. واكثر واكبر خسارة من هؤلاء هم كل ساستنا، وتبع القطيع ممن لم يجرؤ على الانتصار لمدنية الدولة وقوانينها.
عبد اللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق