يصر البعض على الترويج لمفهوم “المواطنة الحقة” من دون إدراك ان لا مواطنة حقة يمكن أن تحدث على أرض الواقع ما دامت تنتشر في المجتمع المحسوبية وأخواتها كمحاباة الأقارب والأصدقاء ومن دون وجود روادع حقيقية . فالمواطنة الحقة تتطلب بداية انتهاء غالبية مظاهر المحسوبية والمحاباة والمحاصصة واستبدالها بمجتمع “الجدارة” حين تتكرس المنافسة الشريفة بين مواطنين متساوين في الحقوق, وفي الواجبات, وفي عدد وطبيعة الفرص المتاحة لهم. فالادعاء بأن المواطنة الحقة (الصالحة) يمكن أن تتحقق أولاً ومن بعد ذلك يتم البدء في مكافحة المحسوبية فهذا شبيه بالإشارة إلى الاذن اليسرى باليد اليمنى! فيصعب تخيل أن يستطيع الانسان السوي ممارسة مواطنة صالحة في مجتمعه وهو شبه متيقن أنه لا يمكنه فعلاً ربط آماله وتطلعاته المشروعة بما يمكنه إنجازه في بيئته سوى باضطراره إلى التملق او التقرب إلى فلان من الناس. فأصعب ما يمر به الانسان الجاد والسوي والمواطن الصالح هو احتمال اضطراره للتقرب من أشخاص معينين يعتقد أنهم متنفذون ويظن أنهم ربما سيساعدونه في تحقيق آماله وتطلعاته! الحكومات الجادة في سعيها إلى تكريس المواطنة الحقة عليها أن تكافح السياقات المعوجة, والترتيبات الشخصانية التي ترسخ للمحسوبية في المجتمع. فلا يمكن في أي حال من الأحوال أن تنضبط أوضاع المواطنة في أي مجتمع إنساني ما دام ما يسمح بالنجاح الشخصي أو يعطله هو مدى قرب أو بعد أحد الأفراد من المتنفذين أو الذين يستطيعون مكافأته مادياً أو معنوياً.
المواطن العادي الذي يحاول قدر استطاعته الايفاء بواجبات المواطنة الصالحة في مجتمعه الذي ولد ونشأ وتربى فيه, يصعب عليه تصور تحقق أي من أهداف المواطنة الحقة في ظل ما يبدو طغيان المحسوبية والمحاباة والانحياز لفئة دون أخرى. فالمواطنة الحقة تتطلب أرضيات صالحة أو على الأقل تتطلب حكومة جادة تكافح المحسوبية بشكل حازم و توفر معطيات شبه أكيدة بأن جهود المواطن الصالح لن تُهدر أو تذروها الرياح في ظل عدم المساواة في المواطنة.
إذا كان ثمة شخص يمكن أن يعاني المر ويصطدم بواقع المواطنة الصالحة في بيئته وما تشير إليه فعلاً في السياق المجتمعي, فهو الفرد العادي الذي لا يزال يحلم بأنه إذا عمل واجتهد وأخلص في عمله وفي مواطنته الصالحة سيحقق النجاح الشخصي الذي يستحقه. والله المستعان.
كاتب كويتي
khalwdaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق