خالد الجنفاوي: انتشار الفساد لا يبرر الانغماس فيه

“يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ” النحل (111).
يزيد الفساد في أي بيئة إنسانية لم يتطور فيها بعد الاحساس الكامل بالمسؤولية الفردية عن السلوكيات والتصرفات الشخصية. فكلما ارتفع مستوى إحساس الفرد بمسؤوليته عن أقواله وتصرفاته كلما زاد إحساسه بأن ما يقدم عليه من عمل يتحمل هو نفسه توابعه ونتائجه السلبية والايجابية. ولذلك, أصبح منطقياً ربط ظاهرة الفساد بارتفاع أو انخفاض مستوى الاحساس بالمسؤولية الفردية لمن يمارس الفساد. فمن يبرر مشاركته في الفساد يجادل عادة, حتى مع نفسه, أن الآخرين من الأقارب والاصدقاء يفعلون الامر نفسه, فلماذا أكون أنا استثناء, أو هكذا يقول لسان حال من يمارس الفساد! فيصعب على هكذا أشخاص التفريق بين مسؤولياتهم الفردية وبين مسؤولياتهم الجمعية إذا أردتم, فيستغلون انتماءهم لحيز بشري يبدو يتغاضى عن بعض ظواهر الفساد, على أنه تبرير كاف لمزيد من الانغماس في الفساد. ولكن ما الذي يمنع أحد الأفراد من تحمل مسؤولياته الفردية عن تصرفاته وسلوكياته وأدائه الوظيفي?
أعتقد أن تنشئة الفرد منذ الصغر على تحمل نتائج أفعاله وأقواله وسلوكياته الفردية سينمي لديه الإحساس بالمسؤولية الشخصية, وينطبق ذلك على مراحل بلوغه اللاحقة. فمن نشأ في بيئة أسرية واجتماعية تحرص على تكريس الاحساس بالمسؤولية الفردية عن السلوكيات والتصرفات الشخصية, سيتحول لاحقاً إنساناً يدرك جيداً حدود مسؤولياته الفردية ويعي تماماً أنه هو نفسه ولا ليس شخصاً آخر أو مجموعة أخرى من الناس, يتحمل مسؤولية ما يقوم به الفرد.
انتشار الفساد لا يبرر الانغماس فيه, فالانغماس يكون في ما هو خيرٌ, والفساد شر لا خيرَ فيه. حيث يتحمل الفرد السوي كامل مسؤولياته الأخلاقية تجاه ما يمارسه. ولا يمكن تبرير الانغماس في الفساد لأن الإنسان السوي والعاقل مسؤول عن نفسه, وليس مجبراً على اتباع سلوكيات سلبية يمارسها آخرون. وليس من المنطق تبرير تداول الفساد أو الانغماس فيه بحجة أنه أصبح ظاهرة شبه مقبولة لدى نفر من الناس, كما يتخيل البعض. فالفرد الحر والمستقل والانسان السوي هو الذي يصلح مجتمعه عبر إصلاحه سلوكياته وتصرفاته الفردية. والإنسان الحر ليس مسؤولاً عن المجادلة دفاعاً عن الآخرين البالغين, وليس مسؤولاً عن تصرفاتهم السلبية, فتوفى كل نفس ما عملت, ويتحمل الفرد نتائج ما فعلته يداه وقلبه وعقله ولسانه وقدماه.

*كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com

المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.