حسن كرم: إسقاط الرئيسين

في المرتين المتواليتين اللتين تم بهما حل مجلسي الامة الاول والثاني المبطلين لم يحلا من وراء مؤامرة سياسية وانما حلا لوجود اختلال دستوري في وضعهما وقرار الحل كان بمقتضى حكم قضائي من اعلى سلطة قضائية ولم يكن بموجب قرار اداري مثلا، وبالتالي كان من الطبيعي ان يتقبل الجميع قرار الحل والتنادي لانتخابات جديدة. وكان لجمهور الناخبين قبل السياسيين رضى وقبول بالحل ولذلك فقد تدافعت جموعهم نحو صناديق الاقتراع من دون غضاضة أو تكاسل.
حل المجالس النيابية بأحكام قضائية مسألة قد اعتاد عليها الكثير من البرلمانات في اقدم الديموقراطيات. والكويت ليست استثناء. بل لعلي أجزم بان القبول بالتقاضي على المسائل الخلافية بدلا من التناحر في الميادين هو ما ينبغي ان يسود بين الافرقاء السياسيين. فمن هو اجدر بالفصل في الخلافات والمنازعات غير القضاء الذي لا مصلحة له للميل لطرف على الطرف المقابل..؟!
ان العمل الديموقراطي ليس شهداً وعسلاً كله وانما قد تغلب السلبيات على الايجابيات. لكن وجود المجلس الرقابي خير ألف مرة من غيابه خاصة اذا حظي بالاستقلالية وبصلاحيات دستورية واسعة. لا ان يكون تمثيلا شكليا أو جهازا تابعا تديره الحكومة.
واذا كنا نوجه سهام النقد الى مجلس الامة الكويتي. فذلك لكوننا نرى ان ثمة انحرافا في مسؤولياته الدستورية الاساسية والتدخل في امور تدخل ضمن اختصاص السلطة التنفيذية. مثال: التدخل في مسائل التعيينات الادارية والترقيات وزيادات الرواتب والمعاشات والعلاوات، والتوسط في مسائل وامور غالبا ما تكون غير قانونية، والضغط على الوزراء وتهديدهم بالاستجوابات اذا لم يرضخوا لطلباتهم. ولقطع دابر مثل هذه التدخلات وجب على الحكومة ممثلة برئيس الوزراء والوزراء سلك طريق يقطع على النواب التدخل في شؤون الحكومة أو في شؤون الوزارات خارج الاختصاص الدستوري. الا ان الذي يحدث ان الحكومة برئيسها ووزرائها يغرقون في شبر ماء ويرتعدون هلعاً وخوفاً من كلمة الاستجواب اذا اطلقها نائب مصلحجي…!!
من هنا اعتقد ولطالما الحكومة في هذا الوضع المزري فلا تحتاج كي يتآمروا عليها. فقد نصدق اذا كانت الحكومة قوية ومنتجة ووزراؤها رجال دولة واثقون من انفسهم وواثقون من كفاءاتهم وواثقون من ادائهم ان هناك من يتآمر عليها حتى يسقطها. ولكن عندما تكون الحكومة ضعيفة ومهزوزة فلا حاجة للتآمر. فهي في أي لحظة قابلة للرحيل.
واذا حسبنا ان الاستجواب المباغت من العضو رياض العدساني يصب في خانة الانتهازية واستغلال الفراغ السياسي، وبغض النظر اذا كان تقديم استجوابه لرئيس الوزراء من عندياته ومن قناعاته الشخصية. أو موعوز من تيار سياسي كـ(حدس) على سبيل المثال أو اطراف اخرى ترى في رحيل رئيس الوزراء أو حكومته المدخل لحل سياسي أو ان الهدف من تقديم الاستجواب التصعيد وخلط الاوراق وتأزيم الوضع. وعلى الرغم من ان الاستجواب بمادته الموضوعية هزيلا. وربما يصطدم بجدار الدستور. على ذريعة عدم مطابقته للنصوص الدستورية أو اقل التقدير يتم مسك العصا من الوسط فيتأجل مع بقائه على جدول اعمال الجلسات. وهذا الحل الاخير ربما يكون الاكثر ترجيحا باعتبار أن هناك سوابق مماثلة واذا تجاوز رئيس الوزراء حاجز الاستجواب لكن يظل وزراؤه مهددين. فقائمة الوزراء الخاضعين لسيف الاستجواب آخذة في التصاعد. لعل على رأس القائمة وزيرة التخطيط رولا دشتي التي يبدو أن هناك اكثر من عضو يستعجل رحيلها ثم يليها وزير الكهرباء عبدالعزيز الابراهيم والحبل على الجرار.
وفي كل الاحوال تظل الاستجوابات مستحقة لحكومة كثر كلامها وقلت افعالها ولرئيس وزراء تصريحاته متضاربة..!!
واذا كان الانتقاد على الحكومة امرا طبيعيا باعتبارها السلطة المنفذة والسلطة المهيمنة على سياسات الدولة وباعتبار ان هناك الكثير من القصور والاعوجاج في ادائها. الا ان كل ذلك لا يعني ان هناك تآمرا على المجلس أو على رئيسه أو على الحكومة ورئيسها أو ان نعد المؤامرة أو الاستجواب من البطولة أو من الاعمال الخارقة التي تستحق من الجماهير التصفيق. ذلك ان اسقاط المجلس أو اسقاط رئيسه أو اسقاط الحكومة ورئيسها اذا لم يحصل بمقتضى السياق السياسي الذي يفترض ان ينسجم مع السياق الدستوري فلا ريب هنا في أن المؤامرة ليست على السلطتين وانما استهداف للنظام الديموقراطي الذي قبله الشعب الكويتي وارتضاه بكل سلبياته وايجابياته.
لا نحتاج الى ادلة كي نثبت أن وصول رئيس مجلس الامة الحالي الشاب مرزوق الغانم سليل البيت السياسي الى كرسي الرئاسة كان مخاض لعبة مكشوفة، طرفاها الحكومة ومجموعة مرزوق الغانم المتمثلة في داخل المجلس أو خارجه. ولربما كانت قراءة الحكومة للساحة السياسية مختلفة عن قراءة الاغلبية التي ساندت رئيس مجلس الامة المبطل السيد علي الراشد الذي نافس بجدارة على الرئاسة. وعلى الرغم من ذلك فما زال مبكرا الحكم على اداء مرزوق الغانم، فهو حتى الآن لم يمارس مهام الرئاسة فعليا. وان كان ثمة تخبطات على صعيد مكتب المجلس وعلى صعيد مرزوق الغانم نفسه.
لقد سقطت حكومة التجار في ديسمبر 1964 جراء مؤامرة وتكتيك سياسي. الا ان المجلس لم يسقط. فهل هذه المرة يراودون على سقوط المجلس كي يسقطوا رئيسه..؟!!.
الثالثة ثابتة.. اذا سقط المجلس في المرة الثالثة سقطت الديموقراطية. فلا هناك انتخابات تجرى ولا مجلس امة يقام…!!

حسن علي كرم
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.