هديل الحويل: حدائق داعية وأخرى طاردة

لسنوات طويلة وقبل أن تستحوذ ثقافة المراكز التجارية على أذهان العالم – الحار منه على وجه التحديد- كنت وكثير من جيلي نستمتع بالحدائق العامة والمرافق المزروعة, فنمارس هواياتنا ونتدرب على رياضاتنا ونستقل دراجاتنا ونتفق ونختلف, ونثير إعجاب المارة ونتعمد إظهار أنفسنا في بيئة مفتوحة وطبيعية, نصرف فيها كل ما حملت أجسامنا الصغيرة من طاقات مشحونة ب¯ “لا” وقلق مدفوع بكلمة “عيب” أو إدراك مزمن بما “يصح” وما “لا يصح”, فكانت زياراتنا الأسبوعية وتجمعاتنا العائلية في مرفق كالحديقة العامة أو النافورة الراقصة أو الجزيرة الخضراء بمثابة الرخصة بالانطلاق, والعذر بالتمتع بهواء الحرية.
اليوم, ومع تعزيز مفاهيم اقتصادية واجتماعية متداخلة ومتشابكة, نجد انه حتى هدف الترفيه العائلي انحصر بإطار مفهوم الاستهلاك, فلا تتواجد العائلة إلا في مركز تجاري أو في مطعم أو مقهى يفرض عليها وعلى صغارها أدنى حدود الهدوء وأقصى حدود الأدب, الأمر الذي قد لا يشكل فارقا كبيرا لدى الكبار, لكنه يشكل كل الفارق في نفس كل صغير ما عرف للحرية طعما ولا اشتم للانطلاقة رائحة.
و منذ سنوات عدة وبعد أن تبنى العالم ثقافة “المولات” أهملت الكويت – إدارة وشعبا- المرافق العامة, فكان أن عزف الناس عن الحدائق موجهين اهتمامهم الى المراكز التجارية التي تؤمنهم من صيف صعب وسماء حارة, وأهملت الإدارات المعنية تلك الحدائق تباعا, فلا الناس اهتمت ولا الإدارات اكترثت, فأصبحت الحدائق التي كانت تعج يوما بالعائلات ملاذا لكل من أراد أن يخالف قانونا أو خلقا متسترا بظلمة ليل أو علو سور.
اليوم, تنظم الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية حملة واسعة تطال جميع الحدائق العامة في مناطق الكويت المتفرقة, أولى ملامحها اسقاط الأسوار التي كانت تغلف الحدائق بالظلام, وإعطاء كل مار وراكب الفرصة لمشاهدة كل ما له أن يدعوه هو وعائلته للتمتع بخضرة وزرع.
ثاني ملامح حملة التغيير هو التطبيق العملي والواقعي لمفهوم التجديد مع الترميم, فالحدائق الآن تتمتع بتسهيلات جديدة طالت نوعية الألعاب التي يستطيع الأطفال أن يستمتعوا بها, بالقدر نفسه الذي طالت فيه نوافير مياه تعطلت وأهملت وصدأت مع السنين.
ثالث تلك الملامح, أننا وبلا شك مع هدم كل سور, ورعاية كل زرع وتجديد كل مرفق, ففي تلك الحدائق نعمد إلى خلق بيئة حاضنة لجو عائلي صحي وطاردة لكل من أراد أن يخالف القانون بأي شكل كان.
في الأخير بقي أن نذكر أننا في أي بلد كنا وتحت وطأة أي مناخ حار أو بارد, ماطر أو جاف, إذا فشلنا في أن ننمي من أنفسنا بصورة حقيقية, وأن نعلي من قدر إحساسنا بالمسؤولية الاجتماعية, وندرك حق غيرنا بالاستمتاع بما نتمتع به في المرافق العامة, لن يدوم لنا جديد في مرفق, ولن يستمر زهو التطوير في أي مكان طالما وجد فيه من يهين استهلاكه ويعمد تخريبه, ولا هيئة عامة ولا وزارة ولا حكومة تستطيع أن تؤمن لك نظافة مكان أنت نفسك ترفض أن تتحمل مسؤولية نظافته بيدك, لأنك أولا وأخيرا إن شئت دمرت, وإن شئت حافظت وطورت, فكنت أنت ومن معك ممن يستحقون اهتماما أكبر ورعاية أكثر.

h_alhuwail@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.