مشاركتي قبل فترة في حوار عن «مؤسسات المجتمع المدني»، ما هي وما دورها، فتحت في ذهني أسئلة كثيرة عن هذه المؤسسات، وهل تدخل فعلاً ضمن التعريف أم أن المفهوم لايزال غامضاً؟
قد يقول قائل بأن هذه المؤسسات هي الجمعيات والهيئات والروابط والأندية والتيارات السياسية والديوانيات والنقابات والمؤسسات الثقافية الخاصة.. إلخ. ولكن هل المساجد والحسينيات والجمعيات التعاونية والقبائل ضمنها؟ وهل يمكن اعتبار هذه المؤسسات كلها داعمة للديموقراطية ومفتوحة لكل كويتي وكويتية، أم أن رؤيتها وأولوياتها متمحورة حول أهداف ومصالح خاصة؟
ويلاحظ الكثيرون أن المجتمع المدني ضعيف ازاء الدولة في العالم الثالث والعالم العربي، لأن السلطة كانت دائماً قوية مقارنة بمؤسسات هذا المجتمع المدني، كما كانت السلطة مطلقة اليد ومحركة للاقتصاد ومشكلة للطبقات بعكس أوروبا حيث قامت الطبقات بتشكيل الدولة وتوجيهها. ومثل هذه السمات أشد وقعاً وتأثيراً في الدولة النفطية الصغيرة. ففي الكويت مثلاً تخضع هيئات كثيرة من الجمعيات والروابط للدولة بشكل مباشر أو غير مباشر، بل ربما حتى لو لم تكن الدولة «فاضية» أو متحمسة لإدارتها!.
وهناك فوق ذلك مخاطر وانحرافات تهدد هذه المؤسسات كالفساد المالي والطائفية والقبلية وعدم تبلور الهدف الأساسي من نشاط الهيئة وهيمنة فرد أو جماعة أو تيار معين عليها، لمصالح خاصة، واختلاط الدور الشعبي بالحكومي.
وهناك مؤسستان تنافسان الدولة في القوة والتأثير هما المؤسسة الدينية والقبائل ومثيلاتها من الهيئات. فهل الدين مثلاً مهيمن على الدولة في الكويت أم خاضع لها أم معارض لها أم محايد ازاءها؟
ثم إن في الكويت عشرات ومئات الألوف من غير المواطنين ممن يقومون بدور أساسي وهام جداً في سير حياة المجتمع على كل صعيد، فما مدى تمتع هؤلاء بمؤسسات المجتمع المدني وحقوق تأسيسها والإشراف عليها، كما نرى العرب والمسلمين مثلاً في كل أوروبا وأمريكا وما لديهم هناك من روابط وأندية وهيئات وغير ذلك؟ هل عرقلت الدولة العربية الحديثة دور مؤسسات المجتمع المدني؟ نعم، يقول د.حليم بركات: «لقد سلبت الدولة في مختلف البلدان العربية المجتمع من وظائفه الحيوية واحتكرتها لنفسها». غير ان المجتمع المدني كذلك، يضيف د.بركات، «لا يقوم بوظائفه من دون وجود دولة قوية، ولكن هذه الدولة لابد أن تكون قانونية وشرعية وممثلة للشعب وخاضعة للمحاسبة والتداول والمساءلة. فلابد من دولة قوية تمثل ارادة الامة، وليس من حق الدولة من ناحية اخرى احتكار السلطة».
المجتمع العربي في القرن العشرين، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2000، ص923، ص926).
ماذا عن الكتب التي تتناول المجتمع المدني الكويتي، وبخاصة من هذه الزاوية؟ من هذه الكتب «محاضرات عن المجتمع العربي بالكويت» لعبدالعزيز حسين، و«مدخل للتطور السياسي في الكويت» للدكتور غانم النجار، و«من هنا بدأت الكويت» لعبدالله خالد الحاتم، وفيه معلومات طريفة مهمة عن الكثير من البدايات الكويتية ودخول مظاهر لتحديث البلاد. ومن هذه الكتب «الصحافة الكويتية في ربع قرن» وهو فهرست لابرز عناوين ما نشرته الصحافة الكويتية منذ ظهورها حتى عام 1974، وقد قام باعداد هذا الكشاف التحليلي القيم د.محمد حسن عبدالله وطبعته جامعة الكويت، وهو بحاجة ماسة الى اعادة طباعة وتكملة للفترة ما بين 2014-1974، اي نحو 40 سنة حتى اليوم ومن الكتب التي يحتاج اليها مرجعا كل متابع للحياة السياسية في الكويت ومختلف الجماعات السياسية، كتاب د.صلاح محمد عيسى الغزالي «الجماعات السياسية الكويتية في قرن»، وفيه تفاصيل وافية عن التيارات الكويتية المختلفة والشخصيات البارزة في كل جماعة واهم الاحداث والتطورات في نشاطها. وكان الكتاب قد صدر عام 2007، واتمنى ان يكون د.الغزالي قد وجد الوقت الكافي لتوسعة الكتاب واضافة بعض الجداول والمعلومات عن الجمعيات الكويتية والانتخابات وغير ذلك.
ومن اكثر الكتب التي تبهر الكويتي المعاصر كتاب في مجال الاقتصاد والانتاج، للباحث الكويتي محمد عبدالهادي جمال ومطبوعات مركز البحوث والدراسات الكويتية عام 2003، بعنوان «الحرف والمهن والانشطة التجارية القديمة في الكويت». وهو كتاب كبير تصل صفحاته الى نحو 600، ولعل اروع ما فيه تفاصيل كفاح «الجيل المؤسس»، من الكويتيين الكادحين في البر والبحر والصناع والحرفيين والتجار، الذين بنوا هيكل الكويت بجهودهم المشتركة. الكتاب في الواقع موسوعة شيقة، فاخرة الطباعة، وقد صدر بتمويل من بنك الكويت الصناعي، ومرجع اساسي لمعرفة دور المجتمع الكويتي بمختلف شرائحه وطبقاته في بناء البلاد قبل النفط.
ونصل اخيرا في هذه المجموعة الى كتاب د.فلاح عبدالله المديرس، وهو يقرأ من عنوانه «المجتمع المدني والحركة الوطنية في الكويت»، من اصدار دار قرطاس عام 2000. والكتاب، يقول الباحث د.المديرس في المقدمة، «مجموعة من دراسات شملت ثلاثا من ابرز مؤسسات المجتمع المدني في الكويت في فترة ما قبل الاستقلال وبعده؛: النادي الثقافي القومي، جمعية الخريجين، والاتحاد العام لعمال الكويت».
ومن المفارقات التي نطالعها في الكتاب حديث الباحث عن النادي الثقافي القومي، الذي تأسس عام 1952، وتقدم لعضويته «عدد من الشباب المتعلم الذين تأثروا بالحركات القومية اثناء دراستهم، وكان على رأس هؤلاء الدكتور أحمد الخطيب، احد مؤسسي حركة القوميين العرب الذي لعب دورا مؤثرا في تأسيس النادي. وتركزت اهداف النادي، كما ظهرت في قانونه، على احياء القومية العربية والاعتزاز بها، وكان النادي يعمل على نشر الوعي القومي بين الشباب العربي، ويشترط في عضو النادي ان يكون ممن يؤمنون بالمبادئ التي يقوم عليها النادي، وأن يعمل على ترويج المبادئ التي يؤمن بها النادي، ولا يحق الانتساب إلى النادي إلا للعربي».
إلى هنا والشروط واللوائح تبدو عادية ومنسجمة.
ولكن قانون النادي من جانب آخر، يقول د.المديرس، كان «يحظر على الأعضاء ممارسة العمل السياسي»، في حين أن «معظم أنشطة النادي أنشطة سياسية»!
خليل علي حيدر
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق