عبداللطيف الدعيج: لا تحسب الشحم

دولة الرفاه او بشكل اكثر دقة الدولة الريعية لم تعد كما فرضتها علينا وعلى غيرنا ايضا الطفرة النفطية. بل هي تحولت بفعل رغبات بعض قوى السلطة الى سلاح متخلف، ولكنه فعال في امتصاص الغضب الشعبي، وفي التأثير في خيارات الناخب بشكل اساسي والمواطن الكويتي بوجه عام. لذلك فان التخلي عن هذه السياسة لم يعد قرارا اقتصاديا ولا حتى سياسة مالية. بل هو قرارا سياسي بالدرجة الاولى وتفعيل اجتماعي وجماعي لهذا القرار. بوضوح اكثر، السياسة التنفيعية والريعية للدولة في الفترات الاخيرة التي تسببت فيها محاولات السلطة للانفراد بالحكم وتغطيتها او تهوينها وتزيينها لهذا الانفراد لن يكون سهلا الرجوع عنها واجتثاث آثارها ما لم تتم مصالحة كاملة بين القوى المعادية للديموقراطية في النظام، وبين هذا النظام الديموقراطي ومتطلباته ومبادئه الديموقراطية. اي ان المطلوب اولا مصالحة حقيقية وليست شكلية بين الجميع، الناس في الواقع قبل السلطة، بينهم جميعا وبين النظام الديموقراطي ومتطلبات التنمية السياسية. بدون هذه المصالحة، وبدون هذا الاذعان والتسليم للتطور السياسي المطلوب، فان محاولات البعض ستستمر واشكال الرفاه «المغشوش» ستعنى بتخدير المواطن وفي تفريغ حسه الوطني عبر اشغاله بزيف المعيشة والاشباع الكاذب.

يقال انه في حالة الانظمة النامية وغير الكفؤة اقتصاديا تلجأ السلطات الى تشكيل ضغط نفسي ومعنوي قوي على المواطن من خلال اشغاله في توفير قوته اليومي عن السياسة العامة وعن اخطاء وخطايا الحكومات. هنا بفعل توافر الدخل النفطي يتم عكس الامر، إذ يتم الهاء المواطن وتفريغ حسه الوطني عبر الرفاه المغشوش، او من خلال ايهامه بانه يشارك في عملية الفساد والافساد عبر نجاحه في إسقاط غرامة او التخلف عن سداد فاتورة او التحصل على احدى خدمات الدولة بلا وجه حق.

اعيذها نظرات منك صادقة.. ان تحسب الشحم في من شحمه ورم. هذه هي حال الرفاه الحالي للمواطن الكويتي، عالة وعبء على الدخل والتنمية، ووسيلة فعالة لاشغال المواطن بالتعامل مع الحالة غير الصحية له، التي مع الاسف تبدو له وللغير «رفاهية» ومظهرا من مظاهر العافية، بينما هي مرض قاتل يفسد الحس والروح قبل الجسد.

عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.