من سمات النشر الالكتروني خاصية رجع الصدى والتي تتمثل في قدرة القارئ على التعليق أو التعقيب أو سؤال كل من المؤسسة الإعلامية القائمة على النشر, أو الكاتب. ومن أكثر التسهيلات التي تتمتع بها هذه الخاصية هي حق القارئ في الاحتفاظ بهويته الحقيقية والاستعانة باسم مستعار إن أراد, على أن تكتفي المؤسسة بعنوان الشخص البريدي في نشرها لرده أو تعقيبه.
ورغم أنني من الذين يتمتعون بالنشر في صحيفة مرموقة ولها وزنها التاريخي في الصحافة الكويتية, والخليجية, والعربية, إلا أنني لست من الذين يستمتعون بقدرة كل قارئ على التعقيب على مقالتي أو الرد عليها, وذلك ليس تعاليا مني ولا تعزيزا لمفهوم الديكتاتورية الأدبية, ولكنه ميل استطيع أن أبرره بالتالي:
أولا: المقالات الأدبية منها, والاجتماعية, والسياسية أو غيرها تقوم في أصلها على مفهوم يرأس غيره من مفاهيم, وهو إيمان الكاتب بحقه في التعبير “الحر” عن رأيه وقناعته ورؤيته وتوجهه, هذا الإيمان المطلق من شأنه أن يتأثر إذا ما حرص الكاتب على إرضاء القارئ أو نزع الى استمالته, ومن العوامل التي قد تؤدي بالكاتب “الحر” إلى هذا الحرص, هو تهيب الكاتب من رد القارئ أو تعقيب على ما كتب الكاتب علنا وأمام مرأى من الناس.
ثانيا: أن الردود الالكترونية الفورية من القراء لا تعطي مجالا للقارئ بالتمعن في حقيقة ما يقول الكاتب, ولا في جوهر ما يقصد, فلا يكاد القارئ ينهي قراءة المقالة أو التحقيق أو القصة إلا وهم بكتابة ما أحب أو كره, الأمر الذي يقف في طريق تحقيق “الأثر النؤوم” الذي يسعى كل كاتب جاد إلى إحداثه في ذهن القراء, وهو الأثر الذي يتحقق عندما تتسلل الأفكار المطروحة في المقالة إلى ذهن القارئ وتقبع فيه إلى حين إدراكها واقعا لا فكرا ,أو رفضها عن تجربة لا وهم, الأمر الذي من شأنه أن يثقل من وزن معرفة القارئ ويثري من وعيه الإدراكي والنقدي.
ثالثا: أن في الاختفاء وراء الطرح الالكتروني انتقاصا من أثر النقد الواقعي والحقيقي, فيكتفي كل من خاف أن يجرح مشاعر كاتب ما, أو يخسر علاقته بصحافي أو روائي أن يترك تعليقه له على صفحات إلكترونية, جاهلا أثر أن يصارح الكاتب برأيه بهدف تقويم دفة موهبة الكاتب أو تطوير مهارته, فباتت التعليقات, والتعقيبات, والردود, والأسئلة مع تسهيل رجع الصدى الالكتروني كلها سطحية وواهية تفتقر لأصالة النقد وصراحة الطرح.
رابعا, أننا بطبيعتنا الإنسانية البحتة وغير القابلة للجدال نطمح الى القبول ونسعى إليه من قريب أو بعيد, فالإنسان كائن يعيش على حب الآخرين, وأي مشكلة نفسية, أو اجتماعية, سببها الأول, أو الأوسط, أو الأخير أن الإنسان لم يحقق القبول الذي يرغب فيه من الشخص الذي يرغب به أو بالطريقة التي يرغب بها, وبسبب طبيعتنا تلك, كنا أقرب الى المجاملة في نقدنا للآخر حين نعمد إلى مواجهته بنقدنا, وإن حرصنا على أن لا نجامل فنحن بالتأكيد أكثر تأدبا في تقديم ملاحظاتنا وعرض اختلافنا, الأمر الذي لا يتحقق في الردود الالكترونية التي يتخفى فيها أصحابها خلف هويات أثيرية أوهمتهم بدورها أنهم يملكون أن يجرحوا الآخر, ظنا منهم أنهم يمارسون حقهم بالرد, فيما هم لا يمارسون إلا انتهاكات على حق غيرهم في التعبير.
h_alhuwail@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق