صلاح العتيقي: الأخبار في عالم اليوم

حينما نذكر كلمة الأخبار فإننا نعني شيئا جديداً وحدثاً مهماً يرقى إلى أن يوضع في صدر النشرة ليستفيد منه المشاهد والسامع، لا أعلم من يقرر ترتيب الأولويات وأهميتها في نشرة الاخبار في التلفزيون الرسمي، تأتي في المساء متعباً وتتربع أمام الشاشة الصغيرة، ممنياً النفس بفيلم جميل أو أغنية لأم كلثوم أو تمثيلية عليها العين، وقبل ذلك موجز لأهم الانباء، فتفاجأ بنشرة غريبة لا توجد في جميع تلفزيونات العالم. بالأمس القريب فتحت التلفزيون فإذا بمذيع الأخبار يبدأ النشرة بمقابلات بعض المسؤولين والوزراء من دون توضيح لما دار في هذه اللقاءات، فيعرض صورهم وهم جلوس يبتسمون، وكأننا في شوق لرؤية طلعتهم البهية، تلت ذلك مقابلة أحد الوزراء لمسؤول من إحدى الدول الاجنبية، حيث بحث الجانبان العلاقات الثنائية وكانت وجهات النظر متطابقة كالعادة. تحاول أن تفهم تطابق وجهات النظر فلا تخرج بنتيجة، ثم يأتي صوت المذيع، الذي لم تره من قبل، بسحنة فيها الكثير من الأسى، ليعلن أن أحد المواطنين قد اختطف في احدى الدول الآسيوية من دون توضيح ما إذا كان هذا المواطن له قصة مع هذا البلد أو مع المختطفين، وما هي الفدية المطلوبة، وهل نسافر نحن إلى هذا البلد أم لا؟ ثم يعرج المذيع إلى الاخبار العالمية فيبدأ الخبر عن نيكاراغوا، التي لا يعرف الكثيرون أين تقع وما هي الفائدة المرجوة من ذكر خبر كهذا؟ بينما يتجاهل المذيع الجبهات العربية التي تشتعل في سوريا ومصر والعراق وحرب اليمن والمؤمرات على السعودية وعمان، وانعكاسات الحرب السورية علينا، وموقف ايران من الخليج ان قامت الحرب، ثم ينهي هذه النشرة بأسماء الوفيات لهذا اليوم ودفنهم في مقبرة الصليبخات وبالآية الكريمة «إنا لله وإنا إليه راجعون»، لنخرج من هذه النشرة التافهة بخفي حنين.. وأفضل ما فيها قول كلمة «إنا لله وإنا إليه راجعون»!

تغيّر المحطة فتظهر لك مخلوقة اخرى، وعلى وجهها جميع ألوان الطيف، لها ابتسامة بلاستيكية من كثرة شد الخدود ونفخ البراطم، فتتعوذ من الشيطان الرجيم وتعود مسرعا‍ للعربية أو سكاي نيوز لعل وعسى نسمع شيئا يسر، ولكن جميع الأخبار مؤلمة ومعظم الزعماء والمعلقين يتاجرون بالقضية، مما يدفعك الى تغيير المحطة بسرعة إلى الرياضة لتستمتع بمباريات ريال مدريد والبرشا وأهداف ميسي ورونالدو، لترد لك الروح وتهدأ أعصابك لتستطيع النوم.

يا عالم خاطبوا عقول الناس، وصنفوا الأخبار وضعوا الأهم ثم المهم، اشرحوا للعامة فحوى اللقاءات وانعكاساتها على حياتنا وبعض التحليل للأحداث المهمة، اشرحوا لهم ما يدور في دهاليز السياسة لتتفاعل الجماهير مع ما تذيعون وتتوحد مع الدولة في القضايا التي تهم الحكومة والشعب.. يرحمكم الله.

د. صلاح عبداللطيف العتيقي
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.