خالد الجنفاوي: النفس القبلي مشكلة

كما يوجد نفس طائفي متطرف, يوجد أيضاً نفس قبلي متطرف, وبخاصة عندما يتعلق الأمر بالمحسوبية والمحاباة والوقوف مع “ولد العم” من دون مراعاة مبادئ العدالة والأمانة والصدق. فالنفس القبلي ينبع من الايديولوجية القبلية السلبية, أي تلك المجموعة من المفاهيم اللا-ديمقراطية والتي تشجع على الارتباط المصيري للفرد مع قبيلته رغم وجود الدولة المدنية, ودولة القانون والنظام والمجتمع المدني. ليس بالضرورة أن يتخلى البعض عن تقاليده القبلية إذا توافقت مع ما هو إيجابي وسلمي وبناء.
ولكن النفس القبلي, وبخاصة الذي يتمثل في الحض على ترسيخ التفكير القبلي في مجتمع مدني متعدد الأعراق والمذاهب هو سلوك وتصرف سلبي يساهم في إضعاف النسيج الاجتماعي الوطني.
لست مطالباً كفرد أن أتحمل تبعات التفكير القبلي الاقصائي لأنني ولدت, ونشأت, وتربيت في إطار الدولة المدنية الكويتية التي تحوي جميع المواطنين, فالقبيلة بالنسبة لي هي ارتباط بيولوجي لم يترك لي كفرد حرية الاختيار حوله, ولكن إذا بلغ الانسان ووصل مرحلة من التفكير العقلاني المتوازن سيدرك أن الاستمرار في اعتناق النفس الطائفي والقبلي الإقصائي يتعارض مع أبسط متطلبات المواطنة الحقة.
أعجب شخصياً من بعض الافراد ممن وصلوا مراحل متقدمة من التعليم ويحملون الشهادات العليا وهم أيضاً من أصحاب الفكر, ولكن لا يزال بعضهم يؤمن بغلبة القبلية الاقصائية على الثقافة الوطنية المحلية, فلا يصح مثلاً لأحد عقول الأمة أن يتحول بين ليلة وضحاها إلى عقل القبيلة- إذا أردتم- يدعو إلى ترسيخ النفس القبلي بين أبناء قبيلته, وفي الوقت نفسه يزعم في الساحات العامة أنه يدعو إلى تكريس الديمقراطية. فلا يمكن أن تترسخ ديمقراطية تعددية ومساواة في المواطنة ما دام البعض يدعو إلى تأصيل القبلية في المجتمع المدني.
يولد الإنسان نقياً من كل أنواع التحيز السلبي, ولكن نشأته الاسرية ترسخ فيه النفس القبلي, والنفس الطائفي او الطبقي. فأما العقلاء والحكماء فيخرجون بإرادتهم من الصناديق المغلقة ويندمجون بأريحية تامة في مجتمعهم المدني, والبعض الآخر, يستمر أسيراً لأيقونات فكرية ماضوية تتناقض فرضياتها ومنطلقاتها ومبادئها الاساسية مع مجتمع التعددية المعاصر.
وعندما يتعلق الأمر بالولاء الوطني والانتماء لهوية وطنية جامعة, فلا يصح أن يتأرجح الفرد السوي بين طرق تفكير ورغبات متناقضة وفقاً لمصالحه الشخصية, فأختار كفرد حر ومستقل أن أضع كل آمالي وتطلعاتي وأهدافي الشخصية ضمن أطر الدولة المدنية الكويتية, وأقبل كل ما سيأتي بعد ذلك.

كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com

المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.