حكم المحكمة الدستورية برفض الطعن بالمادة 25 من قانون الجزاء ليس حكما عابرا, إنما هو تأسيس لمرحلة جديدة عنوانها “عودة الهيبة الى الدولة وانهاء لعهد طويل من سعي حفنة تخريبية الى تقويض سلطتها”.
المحكمة حسمت لغطا, افتعله من لا يزالون يعتقدون أنهم يستطيعون الاستحواذ على الدولة بجملة من الاكاذيب والتلفيقات بشأن الحقوق السياسية والدستورية للمواطنين, وهدفهم من هذا تكريس الخروج على الدستور والقانون, وجعله سلوكا مقننا, وفقا لتفسيرات لا علاقة لها بحرية الرأي والتعبير المكفولة دستوريا, إنما نابعة من سعي حقيقي الى الانقلاب, الممنهج والطويل الأمد, على الحكم.
30 عاما والكويت تعاني ممن أعمت الرغبة بالسلطة بصيرتهم قبل بصرهم عن رؤية الحق, هؤلاء الذين يتغنون بالقانون والدستور ليل نهار, فيما يدفعون الناس دفعا, بقوة الكذب والتدليس اللذين يتقنونهما, الى الخروج عن الدستور والقانون, وحين أسقط في يدهم لجأوا الى المسّ بالذات الأميرية سعيا الى تقويض هيبة الدولة والحكم, لكن القضاء الشامخ والنزيه قطع عليهم الطريق بحكمه التاريخي الصادر أمس.
ألم تكن جماعة الإفك, وبعض من فيها للأسف كان من المشرعين, تعلم أنَّ في كل دساتير العالم وقوانينه, وفي أعرق الديمقراطيات, ذات رئيس الدولة – أي ذات الحكم وهيبته – مصانة لا تمس ولا تخاطب بما لا يليق بها, والكويت ليست استثناء. ألم تكن تعلم ذلك حين حاولت الاستعانة بتدخل خارجي لدعمها في مسعاها التخريبي؟
هل كانت تلك الجماعة تلتزم القانون والدستور حين زينت لبعض المغرر بهم ان المسّ بالذات الأميرية هو من حرية الرأي والتعبير, وحرضت على ذلك مرارا وتكرارا, ونظمت تجمعات بهذا القصد؟ ألم تحاول التغرير بالشعب كله من خلال الطعن بالمادة 25 من قانون الجزاء, فهل كانت تعتقد ان القضاء أيضا ممن يمكن ان يغرر به؟
اليوم أغلقت المحكمة الدستورية نافذة كانت تجلب ريح سموم مغشية البصائر والأبصار, وأعادت الى الكويت صفاء الرؤية بوضعها الأمور في نصابها الصحيح, دستورا وقانونا, وصيانتها من العابثين والمخربين والمهووسين بالاستحواذ على السلطة بغير حق.
نص حكم المحكمة الدستورية لا يقبل الالتباس او التأويل في غير محله, وهو يعني بالدرجة الاولى ان مصير البلاد ليس أداة ابتزاز يستغلها من يشاء, بل هناك مؤسسات وحكم ودولة لها هيبتها ورمزها مصان, بل ان هذا الحكم أزال سراب التعدي على قانون توارث الامارة الذي حاولت تلك الجماعة جعله بضاعة متداولة في بازار المصالح والأهواء, لذلك لا خوف بعد اليوم من حفنة تحركها أوهامها ومصالحها المشبوهة.
نعم, حكم المحكمة الدستورية قطع دابر الزحف على السلطة تحت أي شعار, وأقفل نهائيا الباب بوجه الساعين الى تقويض المؤسسات التي باتت مطالبة بممارسة دورها بلا خوف, وألا تساوم على حقوق الشعب والوطن.
الدولة كلها اليوم مطالبة بحفظ هيبتها, كي لا تعيد من نافذة مراعاة الخواطر والتسويات ما أخرجه حكم المحكمة الدستورية من البوابة.
أحمد الجارالله
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق