محمد رمضان: كلنا نسير في المركب نفسه.. يا عزيزي

خلال محادثة مع أحد المتقاعدين من إحدى الجهات الحكومية المستقلة، وبمشاركة اثنين من الشباب في بداية حياتهم المهنية. أخذ المتقاعد يحدثنا عن انضباطه والتزامه في العمل، وكيف كان قدوة مؤثرة وناجحة للموظفين الذين يعملون تحت إدارته.

ثم تابع: كنت في قمة عطائي، ثم فجأة تمرض زوجتي مرضا شديدا، ولأنها من إحدى الدول الغربية لم تتم معالجتها على حساب الدولة. فذهبنا إلى بلدها الأم، لكن لم تتحمل بلدها نفقات العلاج أيضاً لانها لم تدفع أي ضرائب لبلدها منذ سنوات، نظرا إلى إقامتها معي في الكويت. فتقاعدت مبكرا قليلا، وبعت بيتي لكي أستطيع دفع نفقات علاج زوجتي التي توفيت قبل انتهاء علاجها. فعدت إلى الكويت بدون زوجة وبدون وظيفة وبدون منزل أو مال.

فسألت الرجل: لكن، ألم يمنحك مكان عملك إجازة خاصة براتب حتى لا تتقاعد وأنت في قمة عطائك؟

فأجاب: لا لم يوافقوا إلا على إجازة بدون راتب. فسألت مرة أخرى: معقولة، كيف لم تتعاطف معك الإدارة العليا، خاصة وأنك موظف مخلص وتعمل في مؤسسة مستقلة (ليست وزارة)؟ فمن خلال خبرتي عادة ما تتفاعل الادارة العليا بشدة مع الحالات الإنسانية، خاصة مع الموظفين المخلصين؟ فقال نعم ولكن أنا كانوا ما يحبوني. فتساءلت لماذا؟

فأجاب: لاني كنت أقف لهم بالمرصاد لأي أمر يكون خطأ أو فيه ظلم. مثلا في إحدى السنوات كان أداء فريقي قياسيا، والأفضل تاريخيا على مستوى المؤسسة، وعند قرب انتهاء السنة المالية يجتمع بنا المدير العام ليعلمنا بإلغاء المكافآت والعديد من المزايا بسبب حالة تقشف اضطرارية. فقمت بالتساؤل، كيف ذلك؟ يفترض أن يكون هناك أرباح كثيرة، فأداء فريقي القياسي خير دليل على ذلك. فأجابني المدير العام بأن كلامي صحيح، ولكن دخلت المؤسسة في عدد من الاستثمارات، وكانت كلها خاسرة، لذلك توجهنا إلى التقشف. فأجبت (أي المتقاعد)، ولكن هذا ظلم كبير، كيف لا يكافأ من عمل بإخلاص بسبب أخطاء من لم يخلص في عمله؟ ثم يكمل: فكانت النتيجة، لم يحصل أحد على مكافآت وتوقفت ترقيتي لأربع سنوات.

فعلق الشابان بأن هؤلاء المديرين لا يستحقون وظائفهم، وهذه هي حال البلد، لا يصل المناصب العليا إلا من هو غير كفؤ ولا يهتم إلا لبقائه في منصبه بغض النظر عمن يكون الضحية.

فتساءلت، ألم يكن من الأفضل لو تحدثت مع المدير العام بشكل انفرادي شارحا له الأمر، فلربما كان غافلا عنه، أو قام بإيجاد حلول أخرى مثل ترقيات فورية لفريقك أو مكافآت استثنائية لهم في السنة نفسها أو حتى السنة التالية، لتخفيض الضغط السياسي على الادارة العليا وبشكل سري، بدلا من احراجه أو استفزازه، أي المدير العام. فأجاب بأن الوقت المناسب كان خلال الاجتماع.

فعلق الشباب وهم مقتنعون تماما، فعلا: كان من الأفضل لو طلب الأمر بشكل سري، وأكدت عليهم: نعم وذلك مراعاة للضغوط المفروضة على الإدارة العليا وبهدف الوصول إلى حل يرضي جميع الأطراف.

الخلاصة:

ممكن أن يتغير وضع أي منا وينقلب حاله بسرعة، لذلك لابد من التحوط للحالات الاستثنائية والعجز والمرض.

ربما كان من الأفضل لو فكر المدير العام أكثر في عواقب قرار التقشف، واستثنى منه القسم ذا الأداء القياسي، لأن الأداء القياسي لذلك القسم يبرر المكافأة حتى في وقت التقشف.

كان على المتقاعد احتواء سلبيات قرار المدير العام، لأن الجميع يعمل ضمن فريق واحد تحكمه المصالح المشتركة. كما كان يجب استخدام مهارات التفاوض، وبشكل أكثر سرية للوصول إلى حل يرضي الجميع.

من السهل التأثير سلبا أو إيجابا في الشباب، لذلك ربما من الأفضل التركيز على الإيجابيات حتى تكون دافعا للشباب على العمل والعطاء بدل الإحباط واليأس.

محمد رمضان

rammohammad@

كاتب وباحث اقتصادي

المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.