خليل حيدر: مستشرقون.. في الكويت

هيأت ندوة «الشرق في عيون الغرب» التي اقامتها كلية الآداب بكيفان من 26 إلى 28 نوفمبر 2013، مناسبة ثقافية شيقة زاخرة بالمعلومات والنقاشات المفيدة، للنظر من جديد في التبادل الثقافي بين هذين القطبين اللذين قيل الكثير في «عدم تلاقيهما»، وكانت كذلك فرصة للنظر في الجهد الذي بذله مفكرو البلدان الغربية «المستشرقون» في دراسة ثقافة وحياة وقضايا ومخطوطات العرب والمسلمين.
وتميز لقاء كيفان هذا العام، في لفتة تستحق الاشادة، بابراز الجهد الاستشراقي لاوروبا الشرقية، التي عادت اليها الحيوية والاهمية الكبرى بعد انتهاء المعسكر الاشتراكي والحرب الباردة، وازدهار الحريات الاكاديمية في جامعاتها ومراكزها البحثية العريقة.
ولعل ابرز مسألة اثيرت في هذه الندوة كانت حرية الباحث العربي والاسلامي في معالجة القضايا الدينية والتاريخية، حيث لايزال هذا الباحث محروما من الحرية الحقيقية في اختيار المواضيع لدراسته وبخاصة اذا اعتبرت «حساسة» او «مثيرة للجدل» او غير ذلك، فباستطاعة المصريين مثلا او اللبنانيين او المغاربة او الخليجيين من اكاديميين وباحثين، دراسة ادق المواضيع والقضايا، ان توفرت لهم حرية البحث والحماية العلمية والامن الوظيفي، وقد يتفوق انتاجهم العلمي وبحثهم وتأليفهم على الكثير من الجهد الاوروبي المبهر الذي نعرفه جميعا. فالذي يتيح الفرصة لمن نسميهم بالمستشرقين للإبداع الفكري، إنما هو في جانب أساسي منه، الحريات الواسعة التي ينعمون بها في مؤسساتهم لاختيار المواضيع والتوصل إلى أي خلاصة أو نتيجة تحتمها الأدلة والتحليلات! ولاشك أن نجاحهم يعود كذلك إلى تطور وثراء مكتباتهم، وإلى دعم مؤسساتهم وكرم وسخاء المتبرعين لتشجيع البحث والتأليف.. ولكن الحرية تأتي أولاً. فهل نصل يوما إلى مرحلة نفصل فيها كل الفصل بين البحث العلمي ومحاولات التحفظ الأكاديمي أو التحريم الديني أو الاستهجان السياسي؟
نقد الاستشراق في الثقافة العربية متشعب، فهناك نقد علمي أو ليبرالي أو أكاديمي، وهناك نقد ديني أو إسلامي سياسي، ومهما قيل في عمق هذين النقدين أو سطحيتهما، وموضوعيتهما أو انحيازهما، فإننا جميعا نعاني من عدم تطوير جهد علمي بحثي يرقى إلى منتوجات مؤسسات الاستشراق أو ما تسمى اليوم بمراكز بحوث الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
وعندما ننظر بموضوعية مثلا إلى كليات الشريعة أو أقسام التاريخ أو الإنتاج اللغوي أو الدراسات السياسية والاجتماعية والدينية العربية، نشعر بعمق الفجوة بين الشرق والغرب، وكم يبذل الغربيون من جهد على المستوى الشخصي لدراسة تاريخنا وثقافتنا وعقائدنا.. وكم نحن متقاعسون ومقصرون.
فالباحث الالماني والفرنسي والانجليزي وغيره قد يبدأ حياته بدراسة العربية والفارسية والتركية والعبرية والسريانية مثلا، قبل ان يلج الى تلك الدول الشرقية والاسلامية ويقيم فيها شهورا واعواما، ويحضر المؤتمرات والندوات، ويتصل بالأساتذة والباحثين في العالمين العربي والاسلامي، ويتابع معظم الكتب والدوريات التي تصدر في مجاله وموضوع.. الخ.
وهذا ما نفعل.. او نحرص عليه بانتظام! ومن جانب آخر، كثيرا ما نجد مسلمين يقومون في هذه المعاهد الغربية والآسيوية بتدريس العقيدة الاسلامية او التاريخ الاسلامي او تاريخ العرب والفرس والترك والهنود، الى جانب من يقومون بتدريس الأديان واللغات الاخرى، فهل تجرؤ كليات الشريعة عندنا مثلا على فتح المجال للمسيحيين واليهود وغيرهم بتدريس عقائدهم وأديانهم عندنا؟
وللمسلمين مثلا عقائدهم في أديان هؤلاء وكتبهم، فهل نحن على استعداد للاستماع الى سلسلة محاضرات تدافع عن وجهة نظرهم في جامعاتنا وفي كليات الشريعة عندنا؟
بالطبع، لا يهتم الغربيون بالقضايا الدينية والتاريخية الاسلامية وحدها، فهناك كذلك فيض من البحوث الاجتماعية والسياسية والفنية وغيرها، وقد يستغرب الواحد منا انهم متفوقون علينا كثيرا حتى في هذا المجال، كالدراسات النسائية والسكانية ودراسة الاوبئة والعادات الاجتماعية ومشاكل الحواضر والمدن العربية، فالكثير من هؤلاء الاساتذة الاكاديميين مثلا لا يكتبون هذه البحوث للترقية الوظيفية في جامعاتهم او لتقرير هذا الكتاب او ذاك، على الطلاب او للاشادة بهذه الدولة او ذاك النظام، او للدفاع المتعصب عن هذا الدين وذاك المذهب وتلك الشخصية الدينية اوالوطنية، التي لن يولد ويظهر لها مثيل ذات يوم!
المشاركون الأوروبيون تفاعلوا مع محاور الندوة ومع الاسئلة التي اثارها الحضور، واعجبوا بجو النقاش والمواضيع المثارة، كما أبدوا اعجابهم اكثر من مرة وبصراحة، بما بذلته كلية الاداب ود. حياة الحجي وعشرات الاساتذة والطالبات والطلاب من جهد في مختلف الاقسام لإنجاح هذا اللقاء، وكذلك بكرم الضيافة والاهتمام الدائم براحتهم ومتطلباتهم.
هذه هي الندوة الثانية التي تعقدها الجامعة بنجاح حول علاقة الشرق بالغرب، وكانت «المجلة العربية للعلوم الانسانية» التي تصدرها الجامعة قد اقامت في مارس 2012 ندوة لا تقل ثراء بعنوان «الثقافة العربية بين الاستشراق والاستغراب» ونحن مع خالص الشكر.. نتمنى المزيد.

خليل علي حيدر
المصدر جريدة الوطن

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.