حسنا فعلت «الهيئة الخيرية الاسلامية العالمية»، عندما وافقت على تفعيل دور المرأة في المواقع القيادية للهيئة، وضمت الى عضوية جمعيتها العامة تسعة كوادر نسائية، من بينهن ثلاث نساء كويتيات وهن السيدات عروب الرفاعي وخولة العتيقي وشذى المشري. (القبس 2012/7/6).
يعجب المرء حقا من تخلف الحركة الاسلامية في مجال المرأة، على الرغم من ضخامة التيار الديني وانتشاره وشعبيته، وكذلك على الرغم من الدور الكبير والاساسي الذي لعبته المرأة ولا تزال في صعود هذا التيار وتحقيقه لمكاسب انتخابية واقتصادية واجتماعية. «فالقيادات النسائية الاسلامية» في كل مكان تقريبا، لا تزال دون مكانة وتأثير ودور القيادات الرجالية. وفي احيان كثيرة لا يصلن الى أية مكاسب ملحوظة الا بدور رجالي.. علني أو خفي وجزء من هذا الوضع مفهوم، حيث ان المرأة تعايش هذه الحقيقة في اكثر من مجال وضمن عدة تيارات. غير ان المرأة في الحركة الاسلامية محكومة كذلك بنصوص واجتهادات وموروثات وتقاليد محافظة وغيرها، لابد ان تؤخذ كلها بالحسبان. مما يعرقل طموحاتها ويقلص مجالات تحركها.
كما ان آراء القيادات الاسلامية، حتى في الجماعة الواحدة كالاخوان المسلمين بل وحتى بين الجماعات الشيعية، بسبب تعدد النصوص الدينية، قد تتعارض اشد المعارضة بين «متسامح» و«متشدد». فالشيخ حسن ايوب، من قيادات الرعيل الاول لجماعة الاخوان المسلمين في مصر، ومؤسس «لجنة زكاة العثمان»، وشيخ الكثير من الدعاة الكويتيين والفلسطينيين، يقول في كتابه الجهاد والفدائية في الاسلام، «النساء فتنة اينما وجدن وحيثما حللن». بينما يتبنى شيوخ مثل د.القرضاوي ومحمد الغزالي آراء تصل الى مساواة دية المرأة بدية الرجل بدلا من ان تكون النصف كما هو معروف. يقول «سيد سابق» في كتابه المعروف «فقه السنة»، جـ2 ص563: «دية المرأة اذا قُتلت خطأ نصف دية الرجل، وكذلك دية اطرافها، والى هذا ذهب اكثر اهل العلم».
هل ستختار المرأة في العالم الاسلامي الرؤية الموروثة أم ستختار عصرها؟ هل تختار المرأة المسلمة في اوروبا والولايات المتحدة «نصف تعويض» من شركات التأمين؟ هل سيكون تعويض المرأة المسلمة مثل الرجل في «بلاد الكفار».. ونصف التعويض في البلدان الاسلامية؟
المشكلة ليست فقط في ارتقاء المرأة المراكز القيادية الاسلامية السياسية أو الخيرية فحسب، بل في الفلسفة والعقلية التي لا تزال مهيمنة على هذه المؤسسات الخيرية. فمؤسسات امريكا واوروبا واستراليا تهتم بالناس من كل الاديان والاجناس، بينما تحصر المؤسسات الاسلامية جهدها بالمسلمين وحدهم! ولهذا لا نجد اثرا للمؤسسات الخيرية الاسلامية في الكوارث التي تنزل بالشعوب غير الاسلامية! ولولا تبرع الحكومات العربية وبخاصة الخليجية وهيئات الهلال الاحمر لما كان للمسلمين أي دور أو اثر.. الا نادرا!
صحيح ان بعض المؤسسات الاسلامية بدأت تنتبه لهذا التمييز الصارخ بين المسلمين وغير المسلمين، ولكن شتان حتى الآن، بين الهيئات الخيرية الدولية التي تسارع الى نجدة هايتي واليابان وباكستان وايران والسودان واندونيسيا وبيرو وتركيا، وبين مؤسسات العالم الاسلامي، التي لا تزال في الواقع من ادوات الصراع السياسي ومن المؤسسات التي يحتكرها الاسلاميون ويطردون عنها الآخرين بعيدا، الا من كان من التيار بل الجماعة الحزبية، كشأن «الهيئة»، التي كان د.القرضاوي في مقدمة الداعين لها، ضمن حملة جمع الالف ألف دولار!
ليبق العمل الخيري اسلاميا، ولتهيمن عليه قوى الاسلام السياسي، ولكن لابد لدول مجلس التعاون وللعالمين العربي والاسلامي ان تدرك كلها ان الكوارث عالمية، وانها في ازدياد، وان البشر من كل دين وجنس عرضة للزلازل والفيضانات وبحاجة احيانا كثيرة الى تحرك سريع لمساعدة.. كل انسان! وان هذا العمل الخيري اخطر من ان يبقى محتكرا بيد حزب أو تيار مهما كان.
ومن هنا، فإن انضمام المرأة بالذات الى مثل هذه المؤسسات والهيئات حتى الاسلامية منها ربما يجعلها كمؤسسات، اكثر توازنا في قراراتها. وكم نتمنى ان يأتي يوم تضم الهيئة الخيرية الاسلامية العالمية وغيرها من هيئات العالم الاسلامي، رجالا ونساء وشخصيات من اتباع مختلف الاديان والملل. فلماذا يستفيد المسلمون والعرب من غير المسلمين كل هذه الفوائد والمساعدات في آسيا وافريقيا مثلا، ولا نجد من يفكر ضمن افق انساني بين المسلمين؟
خليل علي حيدر
المصدر جريدة الوطن
قم بكتابة اول تعليق