عبداللطيف الدعيج: لماذا إخفاء التفاصيل

قضايا المال العام الحقيقية، او المفتعلة – وهي الغالبة – فقدت بريقها وجدواها السياسية. فلم يعد مقنعا الحديث عن سرقات ونهب وكل المشاريع موقوفة، ولا شيء يتم تنفيذه حتى يتمصلح منه سراق المال العام حسب الاسطوانة. لهذا وبما ان «الحي يقلب»، فقد قلب سياسيونا واصبحت قضايا الفساد هي المعزوفة الجديدة.

لست هنا لانكار سواء الحرمنة او الفساد اللذين يعششان ويزدهران هنا. ولكني استنكر ان يتم استغلال ذلك من قبل البعض لاخفاء عجزه، وللتستر على المعضلات الحقيقية التي يواجهها البلد. ليس هذا وحسب، بل ان هناك جهدا واضحا للتستر على الابطال الحقيقيين بهدف تحقيق اكبر القصاص والاقتصاص من الخصوم.

مجمل المجاميع السياسية هنا لديها عجز واضح، اما في مواجهة والتصدي للاوضاع او للتكيف معها. اي ان من لديهم معارضة كاملة للاوضاع عاجزون عن مقارعتها والتصدي لمعضلاتها الحقيقية، بينما من لديهم انسجام وموالاة للاوضاع عاجزون عن التكيف الكلي معها . لهذا فان الكل يخفي عجزه وافلاسه السياسي عبر النفخ في قضايا وهمية، او ليست ذات اهمية على الاطلاق كقضايا المال العام التي انشغلت بها القوى الوطنية منذ التسعينات حتى سقوط دورها الريادي في العمل الوطني، ثم قضايا الفساد الحالية التي تبنتها مجاميع المعارضة الجديدة، لا لشيء الا لانها عاجزة عن مواجهة التحديات الحقيقية اجتماعيا وسياسيا.

جمعية الشفافية الكويتية – لاحظ الشفافية – التي تتولى متابعة تنامي الفساد هنا، اعلنت قبل ايام عن مزيد من التراجع الكويتي في مؤشر مكافحة الفساد. لكن جمعية الشفافية لم تعلن لنا عن اوجه ومصادر ومكامن هذا الفساد. والجهات المسؤولة عنه والقوى المستفيدة منه. الجماعات المعارضة او المتعارضة مع النظام اشارت الى السلطة وحدها كراع ومستفيد من هذا الفساد، المعنية هي وباقي المجاميع السياسية بمكافحته. بينما الواقع ان حتى جمعية الشفافية التي لم تكن «شفافة» تماما هنا اعلنت ان مصدر الفساد – حسب زعمها طبعا – هو الجهات الادارية بالدرجة الاولى، ويتركز الفساد، حسب زعم منظمة الشفافية العالمية التي تروج تقاريرها جمعيتنا هنا، يتركز في الاحزاب السياسية والشرطة والقضاء.

مع هذا، فان جماعة المعارضة والاحزاب السياسية التي هي المتهمة بـ «تنمية» الفساد – من قبل منظمة الشفافية العالمية – هي من يحارب الفساد المزعوم ويتصدى للسلطة بوصفها الراعي والمسؤول عنه.

اي حديث او نشر لتقارير ما يسمى منظمة الشفافية العالمية من دون شفافية اي من دون شرح كيفية القياس واين ومتى تم، ومن هو المسؤول عنه، وعن تحديد واضح للفساد الذي يروج لوجوده البعض.. هو بلا شك تدليس وخداع للناس وضرب تحت الحزام في الخصوم.

عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.