عيون رطبة ونظرات قلقة وقلوب غضة تحمل جبالاً من الخوف والقلق والجروح أكبر من أعمارها وأجسادها الهزيلة، ملامح لا تفارقني تنكأ بداخلي شعوراً مزمناً بالذنب. ما ذنب الطفولة التي رماها القدر بيد تعبث بمصيرها ومستقبلها لتحرمها من حق آدمي؛ حق التعليم؟ لماذا نسيّس الطفولة، لماذا نثأر من مشاريع ورود بريئة زرعتها أرضنا لنقطفها قبل أوانها ونحكم عليها بالذبول؟ كيف ينام الناس ملء جفونهم وصغارنا من الكويتيين البدون المحرومين يجلسون على قارعة الطريق المهترئة يبيعون البطيخ والبنك خلف أسوار المدارس تحت أشعة الشمس اللاهبة، ليكتمل حفل الإحراق؛ إحراق الجلود الناعمة والقلوب الصغيرة، بل إحراق مستقبل بأكمله. أسئلة لا أجد لها إجابة في مجتمع يدعي التدين تارة والديمقراطية تارة أخرى. هل يعي المسؤولون ماذا يعني مفهوم الأمن الإنساني وأهميته لحفظ سلامة وأمن المجتمع؟ لا أجد إجابة سوى العبث والتخبط. في كل سنة يتكرر مسلسل سياسات الخنق والحرمان، وبينما يصرح المسؤولون أن الصندوق الخيري يتكفل بتعليم البدون تأتي القرارات لتضع شروطاً متعسفة كالبطاقة الصالحة وشهادة الميلاد، وفي كل مرة تجد الشيطان في التفاصيل، فبينما تروّج الحكومة لإعطاء ميزات للبدون تغيب عنا حقيقة أن هذه الحقوق الإنسانية الأصيلة لا تشمل الآلاف منهم، ممن حرموا من تجديد البطاقة كسياسة للضغط عليهم لتعديل أوضاعهم، كما أنها تحرم من اضطروا لتعديل أوضاعهم بشراء جوازات من بلدان عدة اكتشفوا فيما بعد أنها مزورة، ليصبحوا بعد أن دفعتهم الحكومة دفعاً إلى تعديل أوضاعهم في وضع مأساوي، فلا هم مواطنون في تلك الدول، ولا هم يستطيعون العودة إلى وضعهم السابق كبدون. تاريخ تعليم الكويتيين البدون مليء بالأوجاع والبؤس، هي حقائق غائبة لا يعيرها الآمنون المطمئنون اهتماماً، فبعد أن كان الكويتيون البدون يتمتعون بنفس الرعاية التعليمية التي تقدم للطلبة الكويتيين في كل المراحل التعليمية حتى التعليم الجامعي دون أي قيود، صدرت في نهاية عام 1986 قرارات تحرم البدون من حقوقهم الإنسانية بعد أن غيرت مسماهم من بادية الكويت إلى مسميات عدة آخرها “مقيمون بصورة غير قانونية”! اضطر كثير من المدنيين في تلك السنوات إلى تدريس الأبناء الذكور ومنع الإناث لعدم مقدرتهم على تحمل تكاليف الدراسة، في حين اضطر البعض الآخر لضيق ذات اليد لتعليم مجموعة من الأبناء عاماً ومجموعة أخرى العام الذي يليه، استمر هذا الوضع إلى صيف 2003 بعد أن قامت مجموعة من النساء الخيرات: الشيخة أوراد الصباح والسيدة رنا المعجل والسيدة سهام الهجرس بزيارة لمنطقة الجهراء ليصدمن بالواقع المرير للأمية المستفحلة بين فتيات لا يعرفن القراءة والكتابة ينضممن لمشروع تعليمي يشبه نظام الكتاتيب. فعمل هؤلاء السيدات على إحياء مشروع سمي بأم البراء لتعليم الفتيات مهارات الكتابة والقراءة. وفي نفس العام قامت الشيخة أوراد بالتحرك من أجل الضغط على أعضاء مجلس الأمة بالتزامن مع تحركات فاعلة من قبل د. حسن جوهر ونواب آخرين، لينشأ مشروع الصندوق الخيري، الذي لم يحل المشكلة، لأن الكثير منهم يعاني إمكانية توفير مبالغ الرسوم الإضافية للالتحاق بمدارس متهالكة رديئة المستوى، ليس ذلك فحسب بل إنهم مع بداية كل عام دراسي لا يضمنون إعادة القيد أو تسجيل الجدد بسبب قرارات التضييق التي تضع في كل مرة شروطاً تعجيزية. وبعد المرور من ذلك الطريق الوعر المليء بالأشواك والحفر يجدون طريق أحلامهم مغلقاً، فجامعة الكويت لا تقبل من الـ147 متفوقاً سوى 15 فقط! تعمل مجموعة الـ29 على حملة لدعوة الجامعات والمؤسسات والأفراد (قدم عدد منهم تبرعات ومنحاً) لتبني هؤلاء الطلبة علها تسهم بوقف هدر عقول وطاقات أبناء الوطن، فلنزرع بين حنايا اليأس أملاً، هو مشروع نور ينتشل سنين العمر من الذبول. للتواصل: إيميل: group29q8@gmail.com تويتر: group29kw@
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق