عبداللطيف الدعيج
عندما «انتخب» الكويتيون، أو بتعبير أدق عندما اختاروا أن يعينوا «صباح» الأول حاكما على الكويت، كان الاختيار على اساس انه تقسيم عمل بين كبار الكويتيين، او اصحاب النفوذ الذين اسسوا المجتمع الكويتي، فقسم اختار التجارة وقسم آخر اختار الإدارة. التجار تولوا التجارة وتفرغوا لها، بينما تم تكليف عائلة الصباح بحراسة الحلال وحفظ الحدود. وتولى التجار بشكل اساسي مع بقية العاملين والمنتجين في المجتمع النامي تمويل الكيان الاجتماعي الحديث والإسهام الكلي في ميزانيته. وكان للعائلة الحاكمة، التي لم تكن في غنى الأسر العاملة في الغوص والسفر، نصيب من ميزانية هذا الكيان، التي تولى تمويلها العامل والمنتج وبالاساس التاجر الكويتي.
وهذا هو السبب الذي جعل الكويت تختلف عن بقية دول الخليج، بل والمنطقة عموما. فالحكم فيها تم اختياريا ولم يُكتسب بالسيف والبندق. بل انه حتى بعد استقرار الحكم، فإن تمويل «الدولة» ودفع مخصصات العاملين فيها كان يقع على عاتق المواطن الكويتي الذي كان يدفع ذلك برحابة صدر، لان اغلب المخصصات كانت موجهة للمصاريف البلدية وللحراسة والدفاع. لهذا كان المواطن الكويتي حاكما اساسيا ولم يكن يُساق ويؤمر كبقية رعايا الدول الاخرى.
بعد تولي المغفور له الشيخ مبارك الكبير مقاليد الحكم، تغير واقع الكيان الكويتي وتغيرت بهذا طبيعة العلاقة بين افراده. فمن ناحية، وجد الشيخ مبارك تمويلا اضافيا، بالاضافة الى التمويل المحلي، حيث تعهّدت الحكومة البريطانية بتخصيص معونة للكويت، مما وفر للحاكم وللعائلة الحاكمة فرصة الاستقلال نسبيا عن وصاية التجار، كما ان الشيخ مبارك بفضل طموحه السياسي حوَّل مهام الاسرة من الحراسة والدفاع الى الهجوم والتوسع. والواقع ان طموح الشيخ مبارك رغم ان اغلب الكويتيين واجهوه بامتعاض، لان له تكاليفه المادية والاجتماعية الباهظة، الا انه – برأيي وحسب الواقع التاريخي – كان الأساس الذي مهّد لقيام الكيان الكويتي وحفظه.
وبذلك يعتبر مبارك الكبير مؤسس «الوطن» الكويتي، وحفيده المرحوم عبدالله السالم مؤسس الدولة.
عهد الشيخ مبارك وما بعده تميز بالتوازن، بين التجار الأغنياء، والصباح الاقوياء بالسلطة، وبالحماية والدعم المالي البريطانيين. الى ان تفجّر النفط، فنسف هذا التوازن، بل وفَّر للدولة ومن على رأسها وفرة مالية تاريخية بالنسبة للكويت، وحتى لغيرها من المستقر من دول.
مع هذا، بقيت العلاقة التاريخية على حالها، وإن مالت القوة كثيرا والاستقلالية لمصلحة الأسرة الحاكمة. إلا أن الاسرة ظلت «وفية» لتاريخها وملتزمة بطبيعة العلاقة، سواء في عهد المغفور له احمد الجابر، الذي شهد بعض الشد والجذب بين العائلة وأهل الكويت، او في عهد المرحوم الشيخ عبدالله السالم، الذي شهد تكريس الروابط الخاصة وتقنينها، التي حكمت العلاقة بين العائلة الحاكمة والكويتيين.
بالطبع، تفجُّر النفط غيَّر طبيعة العلاقة بين الكويتيين، كما غيّرهم كثيرا، فالكويتيون أصبحوا يتلقون، بعد أن كانوا يرسلون، ويقبضون بدلا من ان يدفعوا. بينما اصبحت الاسرة الحاكمة تتلقى المخصصات المباشرة من الدولة وليس من السكان أو «الأمة بعد إعلان الدستور». لكن مع هذا ظلت الاسرة الحاكمة – كما أشرنا – محافظة على واجباتها ومؤدية لالتزاماتها، بالحفظ على امن الكويت واستقرارها.
لكن المؤسف انه بعد وفاة الشيخ عبدالله السالم، تغيرت نظرة الاسرة الحاكمة الى مسؤولياتها والى طبيعة العلاقة الخاصة بالشعب الكويتي. سعت الاسرة هنا الى الاستقلال، بل الى التفرد بالقرار، كما حدث عند طرح الثقة في وزارة 1964 ثم تزوير انتخابات 1967. وأخيرا التعليق المتواصل لبعض مواد الدستور. وكانت الاسرة، في هذا، تتفرد بالقرار من دون الكويتيين، وبعيدا عن التفاهم والانسجام السابق.
حاليا، المؤسف أن النظام يمر بمنعطف خطير، فلا العلاقة طبيعية بين الاسرة والامة، ولا الاسرة متفردة كما حدث احيانا بالقرار.. ولكن هناك مجاميع متمردة على النظام الديموقراطي الكويتي، وعلى تقاليد البلد واعرافه، تعيث فسادا وتتطاول على اصول الحكم وقواعده، بينما الاسرة الحاكمة قد تعد بعيدة عن ممارسة دورها المعهود والمطلوب في حفظ الامن والاستقرار، والحفاظ على معاش حياة الكويتيين ونمطهم المعهود.
ويشعر الناس هذه الايام بتراخ من قبل الأسرة، وبأن المعادين للكويت ولتاريخها ونظامها السياسي، أُطل.قت يدهم للعبث بالنظام الديموقراطي والاستهتار بمعاش الكويتيين ومقدّراتهم، مما يحمل خطر تناسي القيام بمسؤولياتها والتزاماتها التي تعاقدت مع الكويتيين منذ بداية الكيان الكويتي عليها، في اتجاه يبدو او قد يفسره البعض بانه معاقبة للكويتيين وتحسير بهم، لانهم اصروا على التمسّك بحقهم في الحكم وليس المشاركة فيه، وفي اصرارهم على بقائهم السلطة الأقوى والمهيمنة على السلطات في المجتمع باعتبار ان الأمة مصدر السلطات.
القصد ان الاسرة الحاكمة عندما كانت احيانا تتفرد بالسلطة، كانت تحجبها عن «الأمة»، او السكان الكويتيين، وتصرّ على ممارستها وحيدة. وتجلى ذلك مثلا في تزوير الانتخابات أو التعطيل المتواصل لمجلس الأمة، اليوم غير.. فإن الامور تُترك لــ«عوير وزوير».
عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق