خالد الجنفاوي: “نخبوي” في بيتك… “مواطن عادي” في الحياة العامة

يصعب تصديق أن تتكرس ممارسة ديمقراطية يومية في أي مجتمع إنساني ما دامت تشيع فيه مظاهر النخبوية الاجتماعية. في المجتمع الديمقراطي يتساوى جميع المواطنين في الحقوق, والواجبات, والمسؤوليات الوطنية. ولعل ما تؤدي إليه النخبوية أنها تضعف الوحدة الوطنية وتضيع الجهود الجادة في تكريس العدالة الاجتماعية, والمساواة في المواطنة, وكذلك تؤدي النخبوية إلى إضعاف النسيج الاجتماعي, وتهدم أسس المواطنة الحقة والايجابية, فكيف يتمكن أحدهم من تحقيق المواطنة الحقة ما دام يشعر أنه يعيش في مجتمع يعلو فيه الصوت للمحاباة وللنخبوية الاجتماعية? ولعل أكثر ما تؤدي إليه النخبوية الاجتماعية والطبقية الاقصائية أنها ترسخ الفساد.
على سبيل المثال, يمكن أن تكافح الحكومات الفساد الإداري, والتجاري عن طريق أجهزة المراقبة الحكومية, أو عن طريق جمعيات الشفافية, ولكن يصعب مكافحة فساد النخبوية الاقصائية, فعندما يعتقد بعض الأفراد أنهم مختلفون عن مواطنيهم الآخرين فقط لأنهم يملكون الثروة, وينتمون إلى طبقات اجتماعية غنية ويصرون على انه يجب التعامل معهم بشكل أكثر خصوصية من مواطنيهم, فكيف تتحقق المساواة في المواطنة في مجتمع ديمقراطي معاصر؟ فلن يتحقق مجتمع الجدارة والكفاءة ومجتمع المواطنة الصالحة ما لم تتم مكافحة النفس النخبوي والطبقي السلبي, فلا يعترض الإنسان العاقل على ما حققه البعض من تميز تجاري ومالي جراء جهودهم وتعبهم, ولكن لا يملك أحدهم الحق في امتلاك مميزات اجتماعية مختلفة عن مواطنيه الآخرين. فالديمقراطية الحقيقية ترسخ المساواة في المواطنة وتمنع البعض من استغلال انتمائهم لطبقة معينة لفرض آرائهم أو وجهات نظرهم الشخصية على أبناء وطنهم الآخرين.
النخبوية السلبية ترسخ وتنشر الفساد في المجتمع لأنها تمثل تجاوزاً على فرضيات ومتطلبات المواطنة الحقة, فقيمة الفرد تقاس في عالمنا المعاصر بمدى التزامه اداء ما عليه من مسؤوليات وواجبات اجتماعية, فلا يرفع شأنه بين مواطنيه ما يملكه من مال, ولكن ما يملكه من تميز شخصي, وما قدمه لوطنه. والشخص الذي يعتقد أنه مختلف عن مواطنيه فقط لأنه يملك من الثروة والمال ما يجعله متميزاً, وأنه يستحق معاملة مختلفة عن الآخرين لا يؤمن بأبسط فرضيات المواطنة الحقة. فالإنسان يمكن له أن يصبح نخبوياً-إذا أردتم في منزله وبين أسرته أما في الحياة العامة فهو مواطن عادي مثل المواطنين الآخرين. والله المستعان.
كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com

المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.