بعد أن استمع للكلمة تتردد في كل القنوات التلفزيونية، سأل الطفل والده: أبي… ما معنى كلمة “فساد” التي يرددها الجميع؟!
فوجئ الوالد بالسؤال ولم يجد له إجابة وافية فقال: لقد تأخر الوقت يا بني، فاذهب للنوم الآن لتستيقظ مبكراً وتذهب لمدرستك، وعندما تعود سأجيبك عن سؤالك!
ذهب الطفل، وبقي الأب متفكراً في تعريف مناسب للفساد، فأنهكه التفكير وغلبه النعاس، ونام!
فرأى فيما يرى النائم أنه يسير في طريق شبه مظلم على جنباته عدد قليل من أعمدة الإنارة جلس أسفل كل منها رجل يحمل لافتة كتب عليها “لا للفساد”، ورغم اختلاف أشكالهم وهيئاتهم، فإنهم جميعا يجمعهم عيب خَلقي واحد، فكل منهم له عين واحدة فقط، إما اليمين وإما الشمال، فلا ترى إلا ما يأتي ناحيتها!
فتوجه إلى أولهم، عجوز ذو لحية كثة وثوب قصير، سأله: ما اسم هذا الطريق يا شيخنا؟ فرد بتجهم: هذا هو طريق الفساد، ولن أغادر مكاني حتى يغلق هذا الطريق الذي تحدث فيه كل المفاسد والموبقات، ألا لعنة الله على الفاسدين… والكافرين!
وما الفساد الذي يحدث هنا؟ سأل صاحبنا، فرد الشيخ: نساء كاسيات عاريات، وشباب كشفوا عن أذرعهم وركبهم، مقاهٍ ومطاعم يختلط فيها الرجال بالنساء، كتب تباع وفيها البدع والشبهات بدعوى حرية الرأي، أصنام تنحت بأيدٍ آثمة تزعم أن هذا هو الفن، كنائس ومعابد تنشأ بدعوى حرية العبادة والتعبد، أقوام تشبهوا بالغرب الكافر يريدون أن يجعلونا جزءا منه بدعوى المدنية والليبرالية كي ينتشر بيننا زنى المحارم، والعياذ بالله!
ترك صاحبنا الشيخ ومضى في طريقه، فاستوقفه شاب بلباس برتقالي، قال له: سمعتك تسأل عن معنى الفساد، ولدي الإجابة! قال صاحبنا: هات ما عندك!
فقال: الفساد هو الحكومة وما تقوم به ليل نهار، انتهاكها للدستور والعبث به، استباحتها للمال العام، وخضوعها لمجموعة من المتنفذين يملون عليها أوامرهم ونواهيهم، ثم شراؤها للإعلام الفاسد الذي يمزق الوحدة الوطنية، الفساد هو مكافأتها للسارق ومطاردتها للشريف والمخلص، والله لو جلست أعدّد لك فسادها فلن أنتهي أبداً، فهي ولا أحد سواها منبع الفساد وراعيه!
تركه صاحبنا ومضى، فما مشى إلا خطوات حتى وجد شاباً برداء أزرق يقول له: دع عنك ما قاله ذلك الساذج الغوغائي المغرر به، فهذه الحكومة قدمت لشعبها ما لم تقدمه حكومة أخرى، فمن المهد إلى اللحد ترعاه وتتكفل به، أمن وأمان وصحة وتعليم ووظائف وسكن، نِعم لا حدّ لها، “عسى الله لا يغير علينا”، لا تكترث يا سيدي لما قاله لك هذا الغوغائي، فقد تعرض لغسيل مخ من معارضة فاسدة تسعى إلى الحكم ولا شيء غيره، يدعون محاربة الفساد، وهم أفسد خلق الله!
تركه ومضى، ليجد بعد قليل رجلاً تبدو عليه ملامح النعمة ينظر إليه باستعلاء وقد وضع لافتة “لا للفساد” عند قدميه، فسأله: ما الفساد يا سيدي؟ فرد عليه: الفساد هم “المزدوجون” أمثالك الذين يشاركوننا خيرات الوطن، هم المتجنسون حديثاً ممن أخذوا الجنسية دون وجه حق، هم “البدون” الذين هبطوا علينا من السماء، هم “الطراثيث” الطارئة على وطننا، هذه الفئات هي سبب كل الفساد الحاصل في الكويت، وهم سبب كل بلاء ابتلينا به!
فما إن انتهى من حديثه، حتى جاءه صوت غاضب يرد عليه: بل أنت وأمثالك أُس الفساد وبلاؤه أيها العنصري، فأنت وجماعتك تحسبون الكويت عزبة ورثتموها عن آبائكم، أو بقرة تحلبون ضرعها ليل نهار، تظنون أنكم وحدكم أبناء الوطن، وكل ما عداكم “طراثيث” و “لفو”، ألا إنكم أنتم الفاسدون ولكن لا تعلمون!!
في هذه اللحظة، رن المنبه ليصحو صاحبنا من نومه ويذهب إلى عمله كالمعتاد، وحين عاد إلى المنزل وقت الظهيرة، سأله ابنه من جديد: ما الفساد يا أبي؟ فقال له بعد أن طبطب على رأسه: الفساد ألا يسمع الولد كلام أبيه، وألا يمتثل لأوامره ونواهيه، وألا يواظب على دروسه ليصبح الأول في دراسته كما كان أبوه في صغره، الأول دائماً! الابن وهو فاغر فاه: أبي، لماذا أنت اليوم بعين واحدة، أين ذهبت عينك الثانية؟!
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق