خالد الجنفاوي: المساجلات الهدامة تُضيع الوقت

“ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم”(الأنفال 46 ).
يؤدي انتشار المساجلات والحوارات الهدامة بين بعض أعضاء المجتمع الواحد إلى تضييع الوقت الثمين ونشر مشاعر التباغض والخصومة المدمرة في المجتمع. ولعل أكثر ما يؤدي إلى إضعاف العلاقات الاجتماعية البناءة وربما يؤدي إلى إضعاف الوحدة الوطنية هي المساجلة أي “المفاخرة” والتنازع بين بعض الأفراد “يريد كلُّ واحدٍ منهما غلبةَ صاحبه”(مقاييس اللغة). أعتقد أيضاً أنّ المساجلات تعطل المواطنة الحقة بل ربما تؤدي إلى عدم تمكن الأفراد من تحقيق مواطنة صالحة في مجتمعهم وذلك بسبب غلبة النوازع الشخصية والتشكيك في نوايا الشريك الآخر في الديمقراطية. فالمواطنة الحقة تشير إلى تشارك أعضاء المجتمع في مسؤوليات وواجبات وطنية مشتركة وقيام كل منهم بأداء تلك الواجبات والمسؤوليات على أتم وجه دون تعرضه لأي نوع من المضايقات. وفي هذا السياق, فالمساجلات العدمية, والتي تحدث عادة في بعض السياقات الديمقراطية تؤدي إلى تضييع الوقت وتعطيل فرص تحقيق مسؤوليات وواجبات المواطنة لأنها تشغل غالبية الناس عن أداء ما عليهم من مسؤوليات وواجبات وطنية. فعندما يصبح الجدل العقيم العلامة الفارقة في الحوارات “الديمقراطية” وعندما تصبح الحوارات الهدامة هدفاً بذاتها, فسيؤدي ذلك إلى تضييع الوقت وإهدار الطاقات الوطنية عن تحقيق إنجازات للوطن.
لا توجد غلبة وانتصارات شخصية في الديمقراطية البناءة, فكل أعضاء المجتمع من المفترض أن يسعوا لتحقيق آمالهم وتطلعاتهم الشخصية في إطار من التعاون المشترك وفي مجتمع يرتكز على المساواة في المواطنة والعمل الجاد والانتاجية وتسخير الجهود المتجردة من المصالح الشخصية بهدف تنمية وتطوير المجتمع. فالمساجلات تضعف الأرضيات المشتركة بين أعضاء المجتمع الواحد, فبدلاً من تشاركهم في بناء حاضرهم ومستقبلهم , يتشارك البعض في تضييع طاقاتهم الشخصية ووقتهم فقط لإثبات خطأ الطرف الآخر وبهدف غلبته, مع أنه أولاً وأخيراً يظل شريكاً رئيساً في الديمقراطية الوطنية.
المساجلات العقيمة مظلة ينضوي تحتها الاشاعات المغرضة, والتقول على الناس, وإطلاق الاتهامات المعلبة والتشكيك في النوايا ومحاولة نشر النعرات القبلية والطائفية والفئوية في المجتمع. إضافة إلى ذلك, تشير المساجلات الهدامة إلى تصيد أخطاء أبناء الوطن الآخرين, والتشكيك في قدراتهم وفي مهاراتهم الشخصية والتقليل من أهميتهم وربما ازدرائهم أحياناً وتشويه سمعتهم. المساجلات الهدامة لا تعطل فقط المواطنة الحقة التي يستحقها الوطن من أبنائه المخلصين, ولكن المساجلة والحوار الهدام تُحوِّل النعم نقماً والسعادة حزناً والتآلف الوطني إلى ما يناقضه.
khaledaljenfawi@yahoo.com

* كاتب كويتي
المصدر جريدة السياسة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.