تصدر الصندوق السيادي النرويجي قائمة الصناديق السيادية في العالم من حيث حجم الأصول المدارة عند 818 مليار دولار حسب معهد SWF.
واللافت هو أنه لا داعي للرجوع إلى معهد SWF لمعرفة حجم الأصول المدارة، فبمجرد الدخول إلى موقع الصندوق ستجد عدادا يتم تحديثه يوميا يبين لك حجم الأصول وجميع ما تحتاجه من بيانات لتراقب أو تطمئن أو تنتقد أداء الصندوق.
ففي حين قد يحتاج الجهاز الإداري في الهيئة العامة للاستثمار أياما عديدة لمعرفة حجم الأصول وتفاصيل أخرى كثيرة عن الصندوق السيادي الأقدم في العالم (تأسس سنة 1953)، يمكن لأي كان أن يطلع على كل ما يخص صندوق النرويج السيادي الحديث نسبيا (تأسس سنة 1990) دون الحاجة إلى تسريب معلومات من جلسة برلمان سرية.
يستثمر الصندوق النرويجي خارج النرويج.
وتقسم استثماراته بين 60% أسهما و35% إلى 40% سندات و5% بحد أقصى في العقارات. أي أن %95 من استثماراته بحد أدنى سهلة التسييل وبسرعة. ويستثمر الصندوق بالأسهم حول العالم وباعتماد مؤشر FTSE Global All Cap كأساس يتم الالتزام بمكوناته إلى حد كبير، مع اعطاء مديري الصندوق مرونة غير كبيرة لتغيير المكونات أو الأوزان بهدف تحقيق عوائد تفوق المؤشر.
وفعلا تم تحقيق ذلك في أربع سنوات من الخمس سنوات الأخيرة وبمحصلة إيجابية لمجموعة السنوات.
وكان العائد الصافي لمحفظة الأسهم منذ سنة 2007 وحتى نهاية الربع الثالث لسنة 2013 كالتالي: 6.82% في 2007، 40.71% – في 2008 سنة الأزمة، 34.27% عام 2009، 13.34% عام 2010، 8.84% – عام 2011، 18.06% عام 2012، و17.57% حتى نهاية الربع الثالث من هذا العام.
تفاصيل كثيرة
أما الاستثمار في السندات فيتم تقسيمه إلى 70% سندات حكومية وشبه حكومية و%30 سندات شركات بهدف تحقيق عوائد أعلى وبمخاطر أعلى أيضا. ويكون وزن السندات الحكومية حسب الناتج القومي للدولة وقوة النظام المالي. أما سندات الشركات فيجب أن يكون %95 منها كحد أدنى بدرجة استثمارية أي آمنة، وكانت العوائد لمحفظة السندات منذ سنة 2007 وحتى نهاية الربع لسنة 2013 كالتالي 2.96% عام 2007، 0.53% – عام 2008 سنة الأزمة، 12%49 عام 2009، 4.11% عام 2010، 7.03% عام 2011، 6.68% عام 2012، و%0.03- حتى نهاية الربع الثالث سنة 2013.
ويدير الصندوق أكثر من 90% من الأصول بنفسه ويستعين بمديرين خارجيين متخصصين جدا للباقي، لكن بشروط واضحة وبرسوم تشجيعية تدفع على مدى سنوات بدل سنويا للحصول على أكبر ضمان ممكن على بذل المدير الخارجي كل الجهود لتحصيل ما تبقى من الرسوم أو المحافظة على الرسوم السابقة. فأي خسارة أو أي أداء سيئ ممكن أن يسبب تآكل الرسوم التشجيعية السابقة للمدير، والتي تكونت من الأداء الجيد للسنوات السابقة. وتستغرق إجراءات تعيين المديرين الخارجيين من 6 إلى 8 أشهر من المقابلات وتحليل الأداء والبيانات التاريخية، ويكون القرار النهائي مبنيا على أساس القدرة المستقبلية للمدير على تحقيق إيرادات عالية بمستوى مخاطر معقول وعمق معرفته بالسوق الذي يعمل به.
واللافت للنظر أن مكونات محفظة الأسهم للصندوق تحتوي على أسهم من دول المنطقة مثل المغرب والأردن وثلاث دول من مجلس التعاون وهي البحرين (ألومنيوم البحرين) وأكثر من 20 سهما من قطر منها بنك قطر الوطني وكهرباء قطر وبنك قطر الاسلامي وغيرها، وأكثر من 15 سهماً من الامارات، منها إعمار وبنك دبي الاسلامي وغيرهما. ولا يستثمر الصندوق في أي من الأسهم الكويتية.
يتطلع مديرو الصندوق إلى تحقيق العوائد العالية للأجيال القادمة وبمخاطر ليست قليلة كما يوضح الجدول المرفق، وبالذات كيف تم تعويض جميع خسائر سنة 2008 مع نهاية سنة 2009.
مقارنة بين صندوقين
وعلى الرغم من وجود اختلافات كثيرة بين الصندوق السيادي النرويجي والصندوق السيادي الكويتي، فإن هذه الاختلافات تشكل سببا وجيها للمقارنة بين الصندوقين لمعرفة أسباب النجاح الكبير للصندوق النرويجي في ظل غياب أي مؤشر يدل على نجاح الصندوق السيادي الكويتي أو نجاح الهيئة العامة للاستثمار في إدارة أموال الأجيال القادمة.
صندوق الهيئة هو الأقدم (تأسس سنة 1953) وتأثر سلبا من جراء الغزو، حيث تم صرف ما يقارب 80 مليار دولار للتحرير وإعادة البناء، لكن هذا لا يبرر عدم وجود سياسة واضحة ومعلنة على الأقل لاحتياطي الأجيال (قانون 47 لسنة 1982 يحظر الافصاح). فبينما تستطيع معرفة جميع استثمارات الصندوق النرويجي، لا يمكن معرفة كيفية توجيه الأموال أو استراتيجية الاستثمار مع الهيئة.
فالصندوق النرويجي يستثمر %60 من أصوله في الأسهم العالمية خارج النرويج و35% إلى 40% في سندات حكومية أو سندات كبرى الشركات العالمية. وبالتالي فهو يستهدف عوائد عالية وبمخاطر غير قليلة. هذا بالإضافة إلى السيولة العالية لاستثماراته التي تمكنه من التخارج السريع في حال ظهرت الحاجة الملحة لذلك.
في مقابل ذلك، تستثمر الهيئة في العديد من الاستثمارات الصعبة التسييل أو التخارج مثل الملكيات الخاصة والعقارات وبعض صناديق التحوط، بالإضافة إلى تملك حصص كبيرة، تسمى بالاستراتيجية، من دون توضيح أساس الاستراتيجية كدايملر الألمانية مثلا. ويمكن الاستدلال على ذلك من ملاحظات ديوان المحاسبة المستمرة على بعض الاستثمارات التي يصعب تسييلها أو حتى تقييمها في بعض الأحيان.
أما بالنسبة الى المؤشرات الاستدلالية فهي واضحة ومحددة والهدف هو تحقيق عائدات سنوية تفوق المؤشرات بالنسبة الى الصندوق النرويجي، لكن بالنسبة الى الهيئة فالمؤشرات الاستدلالية غير معلنة (إلا فيما ندر) والهدف بالنسبة الى الهيئة هو تحقيق عوائد على استثماراتها تفوق معدل عوائد ثلاث سنوات للمؤشرات الاستدلالية.
وخسر الصندوق النرويجي 23% من قيمته سنة 2008 بسبب الأزمة المالية العالمية وتم تعويض كامل الخسارة في سنة 2009.
بينما أشار الأونكتاد (منظمة تابعة للأمم المتحدة) بأن الهيئة خسرت 94 مليار دولار أو 41% من قيمة صندوقها بسبب الأزمة المالية ونفت الهيئة ذلك، من دون توضيحات عن حجم الخسارة أو متى تم تعويضها.
تبادل الأصول
وعندما سُئل مدير الصناديق الشهير الملياردير جورج سوروس عن سبب ادارته لصندوق واحد فقط وليس أكثر من ذلك، أجاب بأن إدارة أكثر من صندوق تفتح مجالا كبيرا للتلاعب. مثلا يستطيع المدير نقل بعض الأصول من صندوق معيّن بأسعار منخفضة إلى الصندوق الآخر فيحقق على الفور أرباحا أو العكس صحيح. ويتم عمل ذلك طبعا بهدف تحسين صورة صندوق على حساب الآخر أو لأغراض أخرى تخدم مصالح صندوق على حساب الآخر.
وعندما ننظر إلى الأموال المدارة من قبل الهيئة العامة للاستثمار، نجد أنها مقسمة إلى الاحتياطيات العامة واحتياطيات الأجيال القادمة. فالاحتياطيات العامة يتم صرف ميزانية الدولة منها (حساب جار) واحتياطيات الأجيال القادمة لا يجوز استخدامها (حساب توفير). أي أنه يفترض ألا تكون الاستثمارات السياسية أو المجاملات (مثل وديعة مصر وغيرها) من ضمن احتياطيات الأجيال.
وكان لديوان المحاسبة عدة ملاحظات على الهيئة العامة للاستثمار أهمها هو تناقل الأصول بين احتياطي الأجيال والاحتياطي العام بالتكلفة دون أخذ القيمة السوقية بالاعتبار وفي حالات تكون التكلفة أقل بكثير من القيمة السوقية. مثلا تم تناقل مؤسسة البترول الكويتية بالتكلفة من الاحتياطي العام إلى احتياطي الأجيال في سنة 2008 كالتالي، حسب وصف الهيئة: «كان لانخفاض سعر بيع النفط بشكل حاد تأثير على مستويات السيولة لدى الاحتياطي العام للدولة والذي يمثل الممول الرئيسي لميزانية دولة الكويت مما اضطر الهيئة إلى اتخاذ قرار مناقلة الأصول بين الاحتياطيات بتكلفتها المسجلة في الاحتياطي العام والبالغة 2.5 مليار دينار ودفع ما يعادلها بالدولار الأميركي لسد أي نقص في سيولة الاحتياطي العام خلال السنة المالية 2009/2008. ونظرا لانتعاش أسعار النفط وارتفاع السيولة في الاحتياطي العام خلال السنة المالية 2010/2009 فقد قامت الهيئة بإعادة مناقلة الأصول وعودة مساهمة الدولة في مؤسسة البترول الكويتية إلى الاحتياطي العام».
وكانت قيمة حقوق ملكية مؤسسة البترول الكويتية 15.66 مليار دينار في 2010/3/31، أي أن التناقل كان لمصلحة احتياطي الأجيال. ولكن ماذا لو كان العكس هو الصحيح وماذا لو كان التناقل يهدف إلى سحب أصول جيدة باحتياطي الأجيال واستبدالها بأصول سيئة؟ ماذا لو كانت عملية التناقل وسيلة لصرف ما في احتياطيات الأجيال باستبدال ما تقارب قيمته القيمة السوقية التكلفة من الاحتياطي العام باستثمار آخر تفوق قيمته السوقية التكلفة بكثير؟ فقرار الهيئة واجراءات التناقل لا تبدو أنها بحاجة إلى التبرير. إذ يتبين ذلك من طلب الديوان الأسس والمعايير التي تتم على أساسها عملية التناقل.
ديوان المحاسبة
أما باقي ملاحظات الديوان فهي في الغالب طلب تبرير خسائر متفرقة أو سوء أداء بعض الاستثمارات أو بطء الهيئة بالتخارج أو تطبيق الخطط الاستراتيجية. بالإضافة إلى ملاحظة غريبة ظهرت بآخر تقريرين بعدم وجود صلاحيات مالية لدى مديري الادارات والقطاعات وأن المعمول به هو صلاحيات قديمة لمديرين سابقين. مع هذا فتقرير الديوان يوضع بدون بيان أو تحليل حقيقي لأداء الهيئة ككل أو حتى أداء احتياطي الأجيال القادمة فقط، أو بيان أداء الهيئة نسبة إلى مخاطر استثماراتها ونسبة إلى الصناديق السيادية الأخرى. فمن الطبيعي أن تكون هناك استثمارات خاسرة وأخرى رابحة. فمن يقرأ تقارير الديوان لا يمكنه أن يكون رأيا واضحا حول الهيئة إلا عند مقارنة ملاحظات الديوان للهيئة بمؤسسة حكومية أخرى كمؤسسة التأمينات مثلا. حيث ان الديوان لم يشر إلى أي تضخيم في قيم استثمارات الهيئة، كما كانت الحال مع «التأمينات»، بل على العكس تسجل قيمة الاستثمارات غير المدرجة بشكل متحفظ وفق التكلفة أو القيمة السوقية أيهما أقل.
الشفافية المطلقة
إذا كان الجميع متفقا على سوء أداء الحكومة، فلماذا لا نتفق على تأثير ذلك على إدارة صندوق أجيالنا القادمة؟ فالحكومة هي من تعيّن مجلس ادارة الهيئة الذي يترأسه وزير المالية، وهي من تعيّن العضو المنتدب للهيئة وهلما جرا. أي أن فساد أو سوء ادارة الحكومة عاجلا أم آجلا سينتقل إن لم يكن قد انتقل إلى محفظة الأجيال القادمة. فلجان الاستثمار (التي تتخذ القرارات الاستثمارية) يمكن أن يؤثر فيها شخص محدد، كما أنها عرضة لتكون ضحية التفكير الجماعي أي عدم رغبة أي عضو في معارضة ما يعتقد أنه قرار الأغلبية.
ونظرا لكبر حجم محافظ الاستثمار، فذلك يجعل القائمين عليها عرضة للكثير من الإغراءات والعمولات والتي لا يمكن ملاحظتها بمراقبة عادية للخسائر فقط، بل بمراقبة عميقة لأداء جميع الاستثمارات ومستوى مخاطرها وبمراقبة مستمرة لحسابات جميع مديري المحافظ والقائمين عليها وحسابات جميع أقاربهم من الدرجة الأولى، كما هو معتمد عالميا. كما يمكن تقليل تأثير ذلك أيضا بشكل كبير عن طريق التوجه إلى الاستثمارات التي لا تحتاج لمهارة مدير استثمار مثل صناديق المؤشرات، كما هي حال الصندوق السيادي النرويجي وصندوق أبوظبي.
استقلالية ومصالح
فعلى الرغم من استقلالية الهيئة، فان هناك تضارب مصالح واضحا في مصلحة الحكومة ومصلحة الأجيال القادمة، ويمكن الاستدلال عليه بتناقل الأصول بين المحفظتين بقرار من الهيئة نفسها. ولكي يتم القضاء على هذا التضارب لابد من التعامل بشفافية ووضوح تام لصندوق الأجيال القادمة بحيث يمكن لأي كان أن يقرأ تقريرا ربع سنوي كاملا وواضحا يشمل الاستثمارات والعوائد والمخاطر وجميع الملاحظات والتفاصيل التي تمكن أي شخص محترف من تكوين رأي في الهيئة كمدير استثمار. بحيث نصل إلى درجة أن يتمنى أي شخص ثري أن تدار أموال ذريته أو أجياله المستقبلية كما تدير الهيئة أموال أجيال المواطنين القادمة. أما بالنسبة للاستثمارات السياسية أو استثمارات المجاملات فستظل سرية مع الاحتياطيات العامة دون السماح بانتشارها لاحتياطيات الأجيال القادمة.
أما في حال رفض مبدأ الشفافية فيمكن انشاء كيان منفصل لادارة احتياطيات الأجيال القادمة بحيث يتكون مجلس إدارته ورئيسه من أعضاء منتخبين أو يعين من قبل مجلس الأمة أو أي طريقة أخرى تضمن استقلالية مجلس ادارة الكيان المسؤول عن الحكومة. وفي حال احتاج الاحتياطي العام إلى أموال احتياطيات الأجيال يمكن أن يصدر سندات بفوائد يشتريها احتياطي الأجيال القادمة بشكل معلن وواضح (اقتراض بفوائد). بدلا من القيام بعملية مناقلة الأصول غير المريحة بين الاحتياطيات.
ولمن هو غير مقتنع بضرورة معالجة وضع صندوق الأجيال القادمة إما بالشفافية التامة و/أو وضعه تحت ادارة كيان مستقل عن الحكومة وسوء أدائها، هل يمكنه في الوضع الحالي أن يثق بالهيئة العامة للاستثمار في أن تدير أموال التوفير الخاصة به كما تدير أموال احتياطيات الأجيال القادمة؟
صندوق النرويج السيادي
1 – على موقع الصندوق الالكتروني تجد عدادا يُحدث يوميا يبين حجم الأصول وجميع البيانات عن الأداء.
2 – %95 من استثماراته سهلة التسييل: %60 أسهما و%35 سندات و%5 عقارات.
3 – يدير الصندوق أكثر من %90 من الأصول بنفسه ويستعين بمديرين متخصصين للبقية.
4 – إجراءات تعيين المديرين الخارجيين تستغرق من 6 إلى 8 أشهر من المقابلات وتحليل الأداء والبيانات التاريخية.
5 – مكونات محفظة الأسهم تحتوي على أسهم من دول المنطقة مثل المغرب والأردن و3 دول خليجية.
6 – يستثمر في «ألومنيوم البحرين» وأكثر من 20 سهما قطريا و15 سهما اماراتيا ولا عزاء للأسهم الكويتية.
7 – مديرو الصندوق يتطلعون إلى العوائد العالية وبمخاطر ليست قليلة وتم تعويض خسائر 2008 مع نهاية 2009.
الهيئة العامة للاستثمار
1 – الجهاز الإداري قد يستغرق أياما لمعرفة حجم الأصول وتفاصيل أخرى لقياس أداء المحافظ.
2 – غياب أي مقارنة أو مؤشر يدل على نجاح الصندوق السيادي في إدارة أموال الأجيال القادمة.
3 – العديد من الاستثمارات صعبة التسييل مثل الملكيات الخاصة والعقارات وبعض صناديق التحوط.
4 – تملك حصص كبيرة تسمى بالاستراتيجية دون توضيح أساس الاستراتيجية كـ «دايملر» الألمانية مثلا.
5 – من يقرأ تقارير ديوان المحاسبة لا يمكنه أن يكوّن رأيا واضحا حول أداء الهيئة.
6 – الهيئة أكثر تحفظا من «التأمينات»: تسجل الاستثمارات غير المدرجة بالتكلفة أو القيمة السوقية أيهما أقل.
7 – «الأونكتاد» ذكر أن الهيئة خسرت %41 من قيمة صندوقها بسبب الأزمة لكن الهيئة نفت من دون أي توضيحات.
إعداد محمد رمضان
كاتب وباحث اقتصادي
rammohammad@
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق