محمد الجاسم: الذكريات لا تعود وحدها!

أكتب هذه الأيام جميع الوقائع التي حصلت معي خلال فترة الملاحقات السياسية، وتحديدا، أكتب عن السجن و«سوالف السجن».. وقد لاحظت أن درجة التفاعل الشخصي وأنا أكتب ترتفع وتهبط حسب الموضوع الذي أكتب عنه.. فالذكريات لا تعود لوحدها كأحداث بل تعود ومعها المشاعر والأحاسيس، ولذلك كنت أشعر بالإرهاق وأنا أكتب نتيجة مروري بالتجربة ذهنيا كما لو كانت واقعية. كتبت:
لكل سجين تجربته الخاصة التي تختلف عن تجربة غيره..
الاطمئنان والثقة هما قوة داخلية رهيبة، متى توافرت لديك فبإمكانك أن تنتصر دائماً..
في السجن، الأيام تتشابه.. تماماً كما هي خارجه، فما إن تشعر بالاستقرار حتى تبدأ حياتك هناك في الانتظام وفق روتين محدد. قد يظن من لم يجرب الحياة في السجن، أن خيارات السجين محدودة.. هذا غير صحيح، ففي السجن تقرأ الصحف.. تشاهد التلفزيون.. تلعب الورق.. تثرثر مع الآخرين.. تضحك وتفرح وتحزن.. تفكر وتتأمل.. تأكل وتنام.. تكسب الأصدقاء والخصوم أيضاً. حتى الممنوعات متاحة.. مخدرات، أفلام جنسية، قمار.. «حبوب حساسية»، أما الخمر، فقد سمعت ولم أتأكد، أنه يتوافر في بعض الأحيان لسجناء بعينهم!
الفارق الجوهري بين الحياة في السجن والحياة خارجه يكمن في الإحساس الداخلي.. الشعور. بالطبع هناك أشياء كثيرة تنقصك في السجن.. لكن إذا تعلمت كيف تتجاهل حاجتك لما ينقصك، فإنك تصبح حراً، سواء كنت في السجن أو خارجه. فحين تكثف التفكير في ما ينقصك وتلح في الحصول عليه، فإنك تصبح سجيناً لهذا النقص، لذلك ما إن تنخرط في حياة السجن وتتوقف عن التفكير في أنك مسجون، حتى يتلاشى إحساسك بالسجن على الرغم من وجودك في زنزانة.. هذه هي تجربتي الشخصية، فقد تأقلمت سريعاً مع حياة السجون.
بالطبع لكل سجين تجربته الخاصة، وأنا هنا أتحدث عن السجن من واقع تجربتي الشخصية، وهي تجربة تحتوي على العديد من عناصر الاختلاف عن تجارب غيري، سواء من تم سجنهم في قضايا جنائية عادية أو قضايا ذات طابع سياسي.
المصدر جريدة الكويتية

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.