“زاويةٌ واحدة من الكون تستطيع إصلاحها, هي نفسك” (هكسلي).
أعتقد أن الديمقراطية بكل ما تحمله من معان سياسية واجتماعية وثقافية إيجابية لا يمكن أن تحل المشكلات المترسخة في بعض النفوس الضيقة وبخاصة أولئك الأشخاص الذين يرفضون الايفاء بمتطلبات الديمقراطية البناءة. فالديمقراطية وآلياتها وحرية تعبيرها ومساواتها وعدلها وفرصها المتكافئة ومواطنتها الايجابية وكل ما هو بناء حولها لا علاقة له بكيفية استعمال البعض للآليات الديمقراطية! ثمة بعض أفراد ضيقوا الافق بطبيعتهم أو بسبب تطبعهم. ضيقوا الأفق هم المشكلة الحقيقية التي تمنع تكرس ديمقراطية بناءة وإيجابية في المجتمع. هم شخصانيون وأنانيون للغاية, بل ويمكن أن يشوهوا أكثر الأشياء سلمية وبراءة بهدف تحقيق أهدافهم الشخصانية.
يصعب مثلاً تخيل أن يصبح أحدهم إنساناً ديمقراطياً في الحياة العامة وهو في الوقت نفسه شخص متناقض يعيش حياة خاصة تتمثل في طغيان نوازعه النفسية السلبية.
من يعتنق سلوكيات سلبية ويأتي بتصرفات فوضوية بحجة ممارسة حرية الرأي والتعبير الديمقراطية يغلف نوازعه الشخصية بشعارات ديمقراطية رنانة وبراقة. ومستحيل أن يتحول كهذا ديمقراطيا في ليلة وضحاها, فلا يمكن أن يقبل هذا النوع من الناس المنغلقين على أنفسهم بسبب أنانيتهم نتائج الديمقراطية البناءة, ولذلك فبعض النفوس البشرية ونوازعها ودوافعها المتناقضة هي المشكلات الحقيقية في المجتمع, والذي يأمل القيمون عليه تكريس ديمقراطية نافعة للفرد وللمجتمع.
إضافة إلى ذلك, يصعب على من يمارس حياة أنانية وفوضوية أن يستفيد فعلاً من الديمقراطية البناءة, فهذا النوع من بني البشر لم تترسخ في عقله شمولية التجربة الديمقراطية وقبوله للتعددية, فما يسيطر على مشاعر الأناني وضيق الأفق هو رفضه التام لقبول الرأي الآخر, بل يخاف هؤلاء اللا-ديمقراطيين من تقبل حقيقة ان في مجتمعهم, فعلا, أناس أسوياء يختلفون عنهم أو يخالفونهم في الرأي.
يستحيل بالطبع ثني بعض الأفراد الانانيين عن نوازعه الشخصية لأنه يرفض بشكل أساسي مشاركة الآخرين الحياة الديمقراطية العادلة. فهذا النوع من البشر تطبع وتقمص كل ما هو سلبي حول الشخصية الانسانية, ميلها الفطري للأنانية وإقصاء الآخر وسعيها المستميت الى حيازة كل مصادر السطوة والقوة في المجتمع المعاصر.
*كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق