كلما جرى الحديث عن تعديلات على التشكيل الوزاري في الكويت طرحت اسئلة حول التوقعات بشأن الإصلاح الاقتصادي وتنشيط الاوضاع الاقتصادية المحلية. لكن في واقع الحال لم يلحظ المرء على مدى السنوات والعقود الماضية اي متغيرات تذكر حيال السياسات المالية والاقتصادية الحاكمة. بالرغم من صدور قوانين عديدة تهدف الى انجاز برامج التخصيص وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتشجيع الاستثمار الاجنبي في البلاد الا ان المحصلة الواقعية لا تذكر.
هل يمكن ان يحقق التغيير الوزاري اي تبدلات في السياسة المالية المتعلقة بالاتفاق الجاري او الاستثماري او تعزيز الايرادات غير النفطية او ضبط النمو في الانفاق دون احداث متغيرات في مفاهيم الادارة الاقتصادية ومحاولة الخروج من شرنقة السياسات الريعية والتحول نحو التوظيف الامثل للموارد المالية والبشرية؟
ان اي محاولة لنقل آليات الاقتصاد الكويتي الى متطلبات الاقتصاد العصري والمنتج تواجه الاجهاض نظرا للمعارضة الشعبوية في اوساط المجتمع السياسي وغياب الارادة والرغبة لدى السلطات الحكومية لمواجهة مثل تلك المعارضات.. مثلا، طرحت خلال الآونة الاخيرة مسألة الصعوبات التي تواجه الحكومة في توفير السكن للمواطنين بموجب مفاهيم الرعاية السكنية المعتمدة منذ اواسط خمسينات القرن الماضي، وتراكم الطلبات الاسكانية التي جاوزت، الان، اكثر من مائة الف طلب، ولم نجد طروحات مقنعة من قبل الحكومة بشأن التعامل الواقعي مع هذه المسألة.
هل يمكن، واقعيا، ان توفر الحكومة المساكن لاصحاب هذه الطلبات خلال فترة وجيزة بموجب الاليات التقليدية؟ وبدلا من طرح مفاهيم مختلفة وتبني سياسات اسكانية منطقية بطرح اعضاء مجلس الامة رفع قيمة القرض الاسكاني من 70 الف دينار الى 100 الف دينار وكأن في ذلك حلا سحريا للمشكلة؟ معلوم ان السكن المتوقع ضمن السياسات المعتمدة، وبموجب اسعار الاراضي وتكاليف البناء، لن تقل تكلفته عن 300 الف دينار في افضل الاحوال.
هل يمكن ان تستمر الحكومة في السياسات الرعوية الاخرى دون رفع الانفاق الجاري؟ واذا لم تتمكن من التغيير في نهجها وتبني فلسفة اقتصادية جديدة واعتماد سياسات مالية مختلفة فكيف يمكن للتغيير الوزاري التأثير في واقع الحياة الاقتصادية. اهم من ذلك ماذا يمكن للتشكيل الوزاري الجديد ان يحقق من متغيرات في التركيبة السكانية وتعديل مساهمة العمالة الوطنية في سوق العمل؟
هل يمكن ان تنجز تطورات في سياسات التوظيف دون رفع مساهمة العمالة الوطنية في أعمال القطاع الخاص؟ هل يمكن للنظام التعليم القائم أن يرتقي بقدرات المواطنين ويؤهلهم للعمل في مختلف الأنشطة والإنخراط في مهن أساسية في مختلف المؤسسات؟
الإصلاحات المطلوبة تتجاوز عملية التغيير في المناصب الوزارية وتتطلب التفهم الاجتماعي والسياسي لأهمية واستحقاقات التغيير على كل المستويات وفي كل الانشطة بما يشمل من انجاز تشريعات وتوافق على تنفيذ برامج إصلاحية واسعة النطاق. ما لدينا الآن هو تسيير أعمال واعتماد على ايرادات النفط ودون حساب في متغيرات في الاقتصاد العالمي وتأثيراتها في مستوى تلك الإيرادات.
ويبدو أن تبني سياسات الاقتصاد الريعي على مدى زمني طويل جعلت من إمكانات الاصلاح والتغيير عسيرة، ومن المؤكد أن الوزراء الذين يسعون للتغيير لابد أن يواجهوا هذه الحقائق ويعتزلوا او يتكيفوا مع الأمر الواقع ويستمروا في تسيير الأعمال.
عامر ذياب التميمي
باحث اقتصادي كويتي
ameraltameemi@gmail.com
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق