ما هي تداعيات تخفيض تصنيف الكويت السيادي؟

حقيقتهامع اقتراب موعد مراجعة وكالة «موديز» لتصنيف الكويت السيادي، أصبح لجوء الحكومة إلى إصدار سندات دولية لتمويل عجز الموازنة أو تمويل المشروعات، خياراً مستبعداً نظراً لأنه سيرفع قيمة فواتير هذه السندات بمقدار علاوة المخاطر الناجمة عن التخفيض (إن حصل).

ووفقا لما أكده مختصون فعلى الرغم من الفوائض المالية الهائلة لدى الكويت، إلا أن خيار اللجوء إلى السوق الدولي أصبح محفوفا بزيادة تكاليف الاقتراض، ما يحدّ من خيارات الحكومة ويجبرها على التعاطي مع الخيارات المتاحة في السوق المحلي، تجنباً لزيادة مصروفات خدمة الدين.

ويرى هؤلاء أن القطاع المصرفي سيتأثر بأشكال عدة، إذ إن خفض التصنيف السيادي سيؤدي تلقائياً إلى خفض تصنيفات بعض البنوك، لأنه من غير المقبول أن تكون هذه المصارف أعلى من التصنيف السيادي للدولة، وهو الامر الذي لا يعبر عن قوتها الحقيقية، فيما قد تقود العوامل النفسية البنوك إلى مزيد من التحوط على وقع ارتفاع تكلفة الاقتراض على الدولة من الخارج.

الصادي

يقول المستشار وأستاذ اقتصاديات التمويل في جامعة القاهرة، الدكتور حسن الصادي، إن تأثير تحفيض وكالة «موديز» للتصنيف السيادي للكويت سيكون محدوداً، ولن يظهر إلا حال قررت دخول سوق الدين الدولي.

وأوضح الصادي أن التأثير بالنسبة للكويت خلال الوقت الراهن من الممكن أن يظهر حال توجه الدولة للاقتراض من الخارج لتمويل مشروعات تنموية، أو محاولة سداد عجز الموازنة عبر اللجوء إلى مؤسسات التمويل الدولية، ومن خلال إصدار سندات دولية.

وبين أن التأثير سيحد من قدرة الدولة على الاقتراض من الخارج، نظرا لارتفاع تكلفة الاقتراض في حال خفض التصنيف، مدفوعاً بارتفاع سعر الفائدة الذي ستقترض الكويت على أساسه.

زيادة الفاتورة

ورأى الصادي أن حدوث هذا الأمر يعني زيادة قيمة فاتورة مشروعات التنمية التي تلجأ الحكومة لتمويلها من الخارج، بالإضافة إلى أرتفاع قيمة عجز الموازنة بمقدار الزيادة في تكلفة الاقتراض من الخارج، ما يحتم على الحكومة التحوّط من تداعيات تلك الزيادات، والاعتماد على السوق الداخلي لتمويلاتها.

وقال «من المفترض ألا يؤثر خفض التصنيف الائتماني على تكلفة خدمة الدين المحلي، وهو ما قد يرفع من كفاءة بيئة الأعمال المحلية بالتبعية، ويخفض جانب الالتزامات في الموازنة العامة للدولة نسبيا».

ولفت إلى أن الكويت تتمتع بمالية عامة قوية جدا نظرا لما تمتلكه من مصدات مالية تكونت على مدار سنوات ارتفاع أسعار النفط، لذلك يجب ألا تتأثر بالخفض المحتمل للتصنيف السيادي، خصوصا وانها لا تحتاج للاقتراض من السوق الخارجي، لأن من ضمن استثماراتها إيداعات دولية ومحلية بمعدلات فائدة لا تزيد عن 1.5 في المئة، وبالتالي فالدولة ليست بحاجة لإصدار سندات دولية بنسبة فائدة أعلى لتمويل عجز الموازنة، وإلا يصبح الأمر «خطأ اقتصادي يحمّل الدولة تكلفة هي في غنى عنها».

وأكد انه حال توجّه الكويت لإصدار السندات فستكون داخلية أي عن طريق السندات الحكومية أو الصكوك، وهو ما يمكن التحكم في سعر فائدته، مبينا أن التصنيف الائتماني للدولة لا يؤثر على إصدار السندات والصكوك المحلية، ولكن يؤثر حال اصدار سندات وصكوك دولية ما يؤخذ معه مخاطر الدولة في الاعتبار.

الثقة والسداد

من ناحية ثانية، لفت إلى أن خفض التصنيف السيادي يؤثر على عملية الثقة في الاقتصاد، وقدرة الدولة على السداد في مواعيد الاستحقاق، وسيطرتها على معدلات التضخم، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن الكويت لم تقترض من الخارج وهي التي تُقرض، ما يعني أن تأثير التخفيض الائتماني على الكويت شبه معدوم، لأنه لا يمكن النظر إليه إلا من جانب المديونيات، وخصوصا الدولية منها.

وأكد أن الكويت غير مدينة للأسواق الخارجية، بل دائنة لها، وبالتالي التصنيف الائتماني إذا انخفض لن يؤثر، مبينا في الوقت ذاته أن معدلات الفائدة لن تزيد على الدول المقترضة من الكويت، نظرا لانها تتعامل بسعر الخصم الخاص بالكويت، مضافا عليه سعر علاوة المخاطر للدولة المقترضة.

رد فعل

وبين أن سعر الفائدة محلياً لن يرتفع إلا اذا كانت البنوك متحوطة بصورة أكبر من اللازم، وتوجهت لرفع سعر الفائدة لمواجهة أي مخاطر قد تظهر في السوق بصورة طبيعية كرد فعل نفسي ناتج عن المخاوف من تخفيض التصنيف الائتماني.

وألمح إلى ان شركات الاستثمار الكبرى التي تتعامل دوليا هي الأكثر تأثرا حال خفض التصنيف، خصوصا إذا كانت مقترضة من الخارج، إلا ان البنوك المحلية تتعامل بالتدفقات النقدية الخارجة، فلا تجد بنوكا محلية تقترض من الخارج.

وحول أكثر القطاعات الحكومية عرضة للتأثر بالتخفيض المحتمل، قال الصادي انها تتمثل في بعض مشروعات خطة التنمية التي تسعى لتمويلات خارجية وأغلب تلك المشروعات في القطاع النفطي، موضحا أن تكلفة تمويل تلك المشروعات سترتفع إذا تم الاتفاق على حجم التمويلات وتوقيع العقود بعد تخفيض التصنيف السيادي للدولة.

تصنيف البنوك

من جهته، قال الرئيس والعضو المنتدب السابق لشركة رساميل للهيكلة المالية عصام الطواري، إنه في حال تخفيض التصنيف السيادي، فإن هذا الأمر سيترك أثره على التصنيف الائتماني للبنوك بالتبعية، كما سيغير في معدلات الفائدة وتكلفة الاقراض والاقتراض.

ولفت الطواري إلى ان أول أثار تخفيض التصنيف ستنعكس على البنوك المحلية ذات التصنيف الائتماني الذي يأتي في الدرجة نفسها لتصنيف الدولة، وهو ما سيتطلب تخفيض تصنيفاتهم بالتبعية، وهو الأمر الذي لا يعكس الحقيقة بصورة كاملة، نظرا لانه من غير المقبول أن يكون التصنيف الائتماني لبنك محلي أعلى من التصنيف السيادي للدولة.

وذكر انه للحفاظ على تصنيفات البنوك، وتخفيف أثر ارتباطها بالتصنيف السيادي للدولة، يتطلب الأمر توزيع أصولها جغرافيا على عدة دول، وهو الأمر غير المتوفر لدى كثير من البنوك، والتي تتركز النسبة الأكبر من أصولها داخل الكويت، وإن كان لها أذرع موزعة خارجيا تمثل حصة صغيرة نسبياً من أصولها.

تكلفة الاقتراض

وأوضح الطواري أن الأثر الأكبر لتخفيض التصنيف الائتماني، تتمثل في ارتفاع تكلفة الاقراض بعد رفع نسبة الفائدة ما يعني ان الجهات المقترضة ستتحمل أعباء أكثر من السابق، ففي حال المشروعات العملاقة التي تتطلب تمويلات كبيرة سيكون هناك مجال للبحث عن الأقل تكلفة، وهو ما قد يصل إلى تراجع معدلات الإقراض والاقتراض محلياً.

وأشار إلى ان المشروعات الحكومية وإصدار السندات والصكوك ستكون تكلفة تمويلها أعلى من السابق، ما قد يتطلب من الحكومة النظر في الكثير من مشروعاتها مرة أخرى لتحديد أولويات المشروعات التنموية المطلوب تمويلها مع ارتفاع التكلفة.

وبين الطواري ان القروض الاستهلاكية لن تتأثر كثيرا بارتفاع سعر الفائدة نظراً لان الحدود الائتمانية قيمتها قليلة ويتعامل فيها أفراد، وبالتالي فإن زيادة معدلات الفائدة لن تترك الأثر الكبير الذي يشعر مع المقترض بارتفاع التكلفة، فيتراجع للبحث عن معدلات فائدة أقل في مكان آخر، وتقييم خيارات الشراء.

آليات التحوط

وفي شأن آلية تحوط البنوك من تخفيض التصنيف السيادي للدولة، أشار الطواري إلى أن الأمر لا يتطلب تحوطاً بتجنيب مخصصات مالية، إلا اذا أثر ارتفاع تكلفة الاقراض على المقترضين، وزادت نسبة القروض غير المنتظمة إلى إجمالي القروض، إلا ان البنوك لا يمكنها التحوط من تخفيض التصنيف السيادي بين ليلة وضحاها، وهو ما يتطلب منه وضع خطط استراتيجية توزع أصول البنوك جغرافياً لتقليل مخاطر خفض التصنيف السيادي، وليس منع تلك المخاطر، بالإضافة إلى التنويع في منتجاتها المصرفية وخصوصاً في قطاع التجزئة من أجل جذب شريحه أكبر من العملاء، لتزيد نسبة القروض الاستهلاكية في محاولة لتعويض ما يمكن أن تفقده من معدلات الإقراض للشركات.

علاوة المخاطر
محددات تؤثر في احتسابها ضمن سعر الفائدة المعلن، ومنها:

أ‌ – الارتباط بقدرة الدولة على السداد، فمع زيادة العجز تزيد نسبة الخطر وترتفع العلاوة والفائدة بالتبعية

ب‌ – حجم السيولة الموجودة في السوق والتي تقل كلما زادت السيولة، ما يعني تراجع سعر الفائدة

ج – فترة الاقتراض والتي كلما زادت، ارتفعت علاوة الخطر مما يرفع سعر الفائدة تباعا

… تأثيرها على أسعار الفائدة

المعايير الأساسية التي تحدد سعر الفائدة في الداخل على 3 عوامل:

1 – سعر الخصم

يحدده البنك المركزي وفقا لسياساته، ويعد من أدوات التحكم في السيولة النقدية بالسوق ويستخدم وفقا لآليات مثل:

A – الحكومة تشجع الادخار فتلجأ لرفع سعر الخصم لاستقطاب مدخرات جديدة

B – توافر سيولة كبيرة، فتشجع الدولة الاقتراض فيتجه «المركزي» لتخفيض سعر الخصم

2 – معدل التضخم

كلما زاد ارتفعت معه تكلفة الاقتراض من الدولة، وزادت تكلفة إصدارالسندات والصكوك.

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.