ما من حربٍ تمرّ إلا وتجترح عيون الأطفال وحناجرهم لتعبيد دربها، الهدوء يعمّ مع كثير من النزف الصامت، وثمة بكاء مدفون يُنبِت نحيب الأجيال اللاحقة!
يردّد المسؤولون: “إنهم ضحية الحروب، وكل حرب مقرونة بمقابر جماعية للأطفال”، بعضهم ترك براءته تسجل رثاءها على شاهد المجزرة، وبعضهم يعاني حُمولتها الثقيلة التي استبدلت بأعضائه المبتورة وجسده المشوه، وبعضهم لم يستطع حتى اليوم جرّ قدميه ليركض مجدداً في الساحة المقابلة لمنزله، لعبة الصندوق السحري هي الحل دوماً لتسجيل اعترافات تلك الأصوات المتحشرجة، والتي تتحول إلى قنبلة موقوتة تنفجر إثر كل حرب، لا يصمت دويها عبر التاريخ.
بحسب “يونيسيف”؛ مليون طفل قتل في الحروب، و4.5 ملايين تركت الحروب توقيعها على جسده من الإعاقات والتشوهات، و12 مليون طفل تشرد بسببها، ونجا 10 ملايين طفل من طاحونة الأسى هذه لكنه ظل يعيش بين عجلاتها المتآكلة؛ بأمراض نفسية صعبة العلاج وصدمات واكتئاب عميق… وأغلبها في بلدان العرب والمسلمين!
وبكثير من التشدق نردد قوانين حماية الطفل بعد تلك الحروب، ونجمع الإحصاءات ونؤسس هيئات قراءتها وإعادة كتابتها، ولكن كل ذلك يبقى في معزل عن كراسة رسم صغيرة، يبحث البياض فيها عن شكل “بالونة” وسط كمّ السواد واندلاق الأحمر…، آخر أوراقها في سورية، التي تحتفل بإسقاط زبانية النظام المستبد رغم أنها فوق حدائق من الأطفال، ماتوا بسبب وجودهم بالمصادفة! والتفجيرات هذه تمت ثأرا من أجل أطفالٍ آخرين عذبهم النظام وأعدمهم واستخدمهم دروعاً بشرية، الأطفال المساكين، الأطفال القرابين.
نفس الوجوه كانت تطل من سماء فلسطين والعراق ولبنان والبوسنة وفيتنام وبورما ودول أخرى، لتدور بقلق باحثة؛ حيث لم يعد هناك فسحة للّعب على هذه الأرض!
هؤلاء الأطفال الناجون يختلفون عمّن شملتهم رعاية “المدافن” ولم يكابدوا الحياة بعد مشاهد القتل والدمار، ويختلفون عن أولئك الذين يقرؤون الحرب في دروس التاريخ ولوحات رسم أقرانهم، إنهم مواليد العالم الجديد، الذين وجدوا أنفسهم في ظروف تستعصي على الاستيعاب واستمرؤوها.
لم يعرفوا معنى الولادة وفي الفم ملعقة من ذهب أو حتى نحاس أو “تنك”، ولدوا وفي أرواحهم شظايا تكبر معهم، وبينما توزع الأوطان عليهم “حبوب الحديد” لبنائها، تحفر داخلهم قبورا لبقايا العمر.
المصدر جريدة الجريدة
قم بكتابة اول تعليق