علي المتروك..نحن والوافدون

علي المتروك

طرحت هذه القضية (قضية ترحيل بعض الوافدين) على بساط البحث أخيراً من قبل بعض أعضاء مجلس الأمة، متخذة شكلا من أشكال الكسب الشعبوي والفرقعات الإعلامية، وقد تصدى لها بحمد الله الكثير من الكتاب والمهتمين بالشأن العام فأسهبوا بشرح أبعاد هذه القضية الإنسانية وأخضعوها للبحث والتنقيب بشتى أبعادها كواقع معاش.

المرحوم القاضي يوسف عنبتاوي وهو من الأخوة الفلسطينيين النازحين الأوائل الى الكويت في أواسط الخمسينات من القرن الماضي، وقد عمل بوزارة المالية وكان قبل النزوح قاضيا في مدينة نابلس، ومرة جمعتنا جلسة حوار، وكان الحديث بالصدفة عن الوافدين فقال: قضية الوافدين أشبه ما تكون بدودة تثقب جوزة الهند فتدخل فيها، وتبدأ بشرب الماء بداخلها فينتفخ جسدها فلا تستطيع الخروج، وتمكث محبوسة داخل جوزة الهند الى ان تستهلك الماء الذي شربته، فاذا استهلكت الماء رجع حجمها على ما كانت عليه يوم الدخول، فتخرج من ذلك الثقب بنفس الحجم الذي كانت عليه، وهكذا حالة الوافد فبين إيجار المسكن، وقسط السيارة وأقساط المدرسة، ومصرف الجمعية، يجد نفسه مديونا على راتبه آخر الشهر، وتكر الأيام وهو يدور في هذه الحلقة المفرغة.

نحن نتحدث عن أناس نزحوا إلى الكويت مع بداية نهضتها العمرانية، وقضوا زهرة شبابهم بخدمة هذا البلد واستقروا فيه، تقلهم ارضه وتستظلهم سماؤه، وقد قيل قديما: (الإنسان حيث ما ثبت لا حيث ما نبت)، وهم يشكلون طيفاً مهماً من اطياف المجتمع، وهم يقومون بأعمال لا يقوم بها أبناء البلد لعدة اعتبارات ذكرها من كتب عن هذا الموضوع وتناوله بالبحث، ومع هذا فإننا عندما نتحدث عن الوافدين لا نتحدث عن العمالة السائبة التي تملأ الكويت وقد جلبهم أشخاص معينون للمتاجرة والكسب السريع على حساب البلد.

أذكر ان المرحوم الشيخ جابر الاحمد الصباح طيب الله ثراه أمير الكويت الأسبق- وبالمناسبة فقد مرت ذكرى رحيله قبل اسبوعين- أمر بتأليف لجنة في أواسط الخمسينات من القرن الماضي أثناء عمله الدؤوب بدفع عجلة النهضة الاقتصادية للكويت حينذاك، وتنظيم مرافق الحياة فيها، فطلب وضع أول نظام للموظفين، وقد تشرفت أن أكون أحد أعضاء هذه اللجنة، فسألته: هل الوظيفة حق مكتسب للمواطن او عمل يخضع للثواب والعقاب، وما مدى التزام الحكومة لتوفير الوظائف للمواطنين، لكل من يطلبها في ظل مخرجات التعليم سنويا فسكت رحمه الله لفترة وجيزة ثم قال: إن مبدأ الثواب والعقاب هو الاساس في العمل، ولكننا أمام ظروف استثنائية لايجاد الوسائل لتوزيع الثروة على المواطنين، وقد عمدنا تنفيذا لهذه السياسة لتثمين بيوتهم بأثمان مجزية، ولكن ما العمل مع من لا يملك بيتا لتثمينه، فكان التوظيف احدى الوسائل لتوزيع الثروة، وبالفعل فقد تم يومها توظيف القلاليف والبحارة والبنائين وبعض النواخذة وكثير ممن رغب بالالتحاق بالوظيفة الحكومية كجزء من هذه السياسة.

الكويت – هذا البلد الصغير- يقع بين ثلاث دول كبيرة، والمواطن الكويتي رغم ما يتمتع به من مستوى اقتصادي مرتفع ورفاهية فهو يشعر داخل نفسه بهواجس غامضة وقلق دفين بعدم الامان لا تزال اطيافه ماثلة امام عينيه منذ الغزو الصدامي البغيض سنة التسعين من القرن الماضي للكويت، والكويت ببساطة ممكن ان تستوعب ما لا يقل عن خمسة ملايين مواطن ومقيم ليخلق معادلة اقليمية مع دول الجوار، وبالامكان الاستفادة من دمج المقيمين ضمن كيانها الاقتصادي والعددي بفتح الباب لمن يريد أن يستثمر او يتملك، ومنح من يتقاعد وأولاده اقامة دائمة، وتعديل بعض القوانين التي تجعل الدخول الى الجنة أسهل من دخول الكويت، فسياسة الباب المغلق سياسة تقوم على مخاوف أمنية وتوجسات غير موجودة في ظل عالم متغير سواء على مستوى الوطن او الإقليم، والكويت في البدء والانتهاء لا تنقصها العقول المفكرة والرجال المبدعون، فهي مضرب الامثال في هذا المجال، وبالإمكان ان تتحول إلى مركز تجاري عالمي حسب رغبة أميرها الكبير أمير الإنسانية وإلى مركز طبي عالمي متطور، والى مركز جامعي يجلب الطلاب من كثير من بلدان العالم، وكل هذا ممكن اذا صحت العزائم وعقدت النيات للنهوض بالكويت الى اعلى مراتب الاستقرار والرفاهية والامن وقد قيل قديما:

وما ضاقتِ الأوطانُ يوماً بأهِلها

ولكنَّ أخلاقَ الرجالَ تَضيقُ

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.