عبداللطيف الدعيج: لولا الخطيب

الأمة صاحبة السيادة هي من أتى بمجلس 2009

يفصل مجلس الامة في صحة انتخاب أعضائه (مادة 95)

عندما غزا صدام حسين الكويت، استنكرت معظم التنظيمات العربية، خصوصا الفلسطينية، في الايام او ربما الساعات الاولى، استنكرت الغزو وادانته. لكن هذه التنظيمات خضعت بعدها لــ «الشارع» العربي والفلسطيني، الذي بحكم تخلف المواطن العربي السياسي، ونظرا لتطلعه المحموم لمواجهة الغرب او تحرير فلسطين، وجد في اضطهاد وتشريد شعب عربي طريقا لهزيمة الغرب والتحرير المؤمل لفلسطين، فكان ان تغير ما يسمى بالشارع العربي 180درجة، وتحول الى مساندة الطاغية بدلا من مواجهته او استنكار فعلته.

استذكر هذا الدور «المرعب» لما يسمى «الجماهير» ونحن في الكويت ومنذ شهور نمر بالانفعال والارهاب الشوارعي ذاته الذي ربما يعود الى العمق الذي تردت فيه الاحوال واستشرى فيه الفساد (او مزاعمه)، بحيث اصبح لدى الناس الاستعداد للتضحية بكل شيء بما في ذلك القواعد والاصول للخروج من النفق المظلم او المستنقع الذي ملوا من المكوث فيه.

لن يتفق الكثيرون مع هذه البداية، تماما كما كانت الحال مع «الجماهير» والتنظيمات العربية التي اصرت على سلامة موقفها من الغزو العراقي للكويت.. ربما حتى الان. فحركتنا الجماهيرية تدعي مواجهة الفساد وتطرح بنودا وبرامج للاصلاح، بل هي تحولت بقدرة قادر من حركة تنادي بتغيير رئيس مجلس الوزراء الى حركة تغيير شاملة للنظام السياسي وتطويره. لكن مثل ما فات جماهير تحرير فلسطين، ان النظام الصدامي كان يفتقد اصلا القدرة على القيام بالمهمة التاريخية التي يتطلعون اليها، كما ان هذه المهمة تتطلب التضحية بمصالح وحقوق عرب آخرين، مثل ما فات ذلك على «جماهير» العرب اثناء احتلال الكويت، فان جماهيرنا هنا تتعامى عن الاضرار التي ألحقها دعاة محاربة الفساد بالاصول والقواعد العامة بتعديهم على الحقوق القانونية والدستورية لبعض المواطنين، ثم تماديهم الى التعدي على السلطة الحقيقية والشرعية للامة، واخيرا الانتقاص من القضاء الدستوري والتمرد عليه. في حين انهم مثل صدام حسين ايضا يفتقدون القدرة السياسية والديموقراطية التي من المفروض ان يمتلكوها من اجل الارتقاء الفعلي بالبلد. لكن مع هذا هم يحظون بدعم وتأييد «الجماهير» كما حظي به المقبور الى الآن.

هذا الاستذكار ومراجعة العبر مُوجهان للقوى الوطنية الديموقراطية التي اندفعت هي الاخرى بحكم وقوعها داخل التيار الشعبي الى مجاراة هذا التيار، والى الاصطفاف، ولو بحياء او تردد، مع المجاميع المنفعلة لحركة المقاطعة او المعارضة الجديدة. واكاد اجزم هنا انه لولا الموقف الفريد للدكتور احمد الخطيب من حكم المحكمة الدستورية ببطلان اجراءات حل مجلس الامة الاخير لانجرفت الحركة الوطنية الديموقراطية خلف الغوغاء وعارضت تاريخية واهمية الحكم.

لقد ضحت مجاميع الردة بكل شيء في سبيل قضيتها الرئيسية وهي ترحيل رئيس الوزراء السابق. وقدمت حقوق بعض الافراد القانونية والدستورية – بغض النظر عن صحة اتهامهم من عدمه – قربانا لترحيل رئيس مجلس الوزراء. كما ان رئيس مجلس الوزراء نفسه تعرض ولا يزال يتعرض لاحكام الادانة دون دليل او اثبات اللهم الا «النزاهة المزعومة» لمن يتهمه.!!! واليوم تتمرد هذه المجاميع على السلطة القضائية وعلى آلية حل مجلس الامة فتعلن حله من ساحة الارادة وبارادة نفر من النواب والمتحمسين في حين ان الالية الحقيقية والشرعية لحل مجلس الامة بيد امير البلاد او مجلس الامة نفسه الذي يعلن عدم تعاونه مع الحكومة. ربما ذكرت هذا مرارا، واعيد التذكير، بانني لست معنيا بالدفاع المباشر، لا عن الشيخ ناصر المحمد ولا عن مجلس 2009، لكنني معني بالدرجة الاساسية بالالتزام بالاصول وباحترام قواعد النظام، التي اعلم جازما، ان العودة اليها توفر حتى لمجاميع الردة تحقيق مطالبهم. فاغلبية مجلس 2009 على سبيل المثال مع حل المجلس..اذاً لماذا لا يتم هذا الحل من داخل المجلس، ووفقا للالية الشرعية والدستورية لحله.. والنتيجة واحدة.!.. لماذا الاصرار على تجيير حل مجلس الامة لساحة الارادة في اغتصاب واضح وتعد مكشوف على «سيادة الامة» التي يرددها البعض، فالامة…بارادتها الحرة هي من أتى بمجلس 2009 تماما كما اتت بمجلس 2012 واذا كان من حق نواب المقاطعة ومجاميع الردة الجديدة الدفاع عن نتائج انتخابات مجلس 2012 برفض تعديل الدوائر، فان من حق الاخرين ومن ضمنهم الحكومة الدفاع عن مجلس 2009 والتمسك بنتائج انتخاباته.

ان القلق ينتابنا ونحن نتابع اجراءات الحكومة وسياسات السلطة، لكن هذا القلق يتفاقم ونحن نتلمس الحلول البشعة والخطرة التي يطرحها البعض لمعالجة خلل هذه الاجراءات او نتائج تلك السياسات.

عبداللطيف الدعيج
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.