محمد المقاطع: تحصين الدوائر وانحراف الحكومة

بيت الداء في العوار الدستوري بنظام الدوائر الانتخابية لدينا هو عيب يبطلها في الكويت، كما أبطلها في أميركا وبريطانيا وفرنسا والقارة الأوروبية وفي الأنظمة الدستورية المعاصرة، وهو العيب المعروف باسم التقسيم التحكمي والمشهور بمصطلح gerrymandering.

وقد بدأ عام 1980 بانحراف السلطة/ الحكومة، بفرضها تقسيماً تحكمياً (25 دائرة) استهدف التحكم بمخرجات الانتخابات، سعياً لتنقيح تراجعي للدستور، ففشل المخطط واستمر العوار (تفتيت المجتمع – إذكاء العصبيات الفئوية – القضاء على المواطنة الدستورية – تلاشي مبدأ تمثيل النائب للأمة بأسرها – غياب العدالة والمساواة – إهدار مبدأ الوزن والقيمة المتماثلة للصوت الانتخابي).

وبعد ربع قرن من نظام عليل ومنحرف دمر المجتمع، وتآكلت في ثناياه المبادئ الدستورية، جاء الانحراف النيابي بتقسيم تحكمي أيضاً، بتشريع الدوائر الخمس بعلل العوار السابق نفسها، بل وأضاف إليه علتين أخريين، هما انتقاص حق الناخب بتجزئة تصويته إلى 4 من أصل 10 يمثلونه، وضمان التعديل لمقاعد النواب في تقسيماته، فاستمر الانحراف وتشرذم المجتمع والغاية الحفاظ على الكراسي، وهو انحراف يسقطه دستورياً أمام القضاء، فعلل عواره صارخة.

واليوم نقف أمام مشهد أسوأ في انحرافه من قبل الحكومة التي يبدو أنها لا تنشد العدالة ولا المساواة ولا تحقيق نظام يعزز وحدة المجتمع ويقوي أواصره، ولذا فهي منجرفة في توجهها نحو التقسيم التحكمي للدوائر بنقل بعض الآلاف من الأصوات لقبائل محددة، أو فئات معينة أو طائفة بعينها إلى دوائر أخرى في نظام الدوائر الخمس الحالية، تحت ستار التقسيم المتساوي للدوائر بعدد الناخبين، وهو في حقيقته تقسيم تحكمي يزيد في تفتيت المجتمع وزيادة كل الظواهر السلبية، وتحديداً نقل الأصوات وشرائها والفئوية والمناطقية المقيتة.

وهو ما يعني أن الطعن على الاقتراح التي ستقدمه الحكومة قضائياً أيضاً قائم، وهو ما أكدنا عليه في مواجهة الدوائر الحالية لعدم دستوريتها، وهو ما ستجد المحكمة سبيله ميسراً بعدم الدستورية لجسامة العوار الدستوري فيها، والمحكمة الدستورية لم تتح لها فرصة بحث هذا الموضوع في الطعون الانتخابية السابقة عامي 2008 و2009، إذ إن موضوع عدم دستورية الدوائر لم تتم إثارته في الطعون المقدمة أمامها، وإنما ما تمت إثارته هو طعون بعدم دستورية نصوص أخرى، أو أنها رفضت ولم تبحث المحكمة موضوعه لعدم استكمال الطعن لشروط إجرائية، علماً بأن المحكمة الدستورية سبق أن عرضت عليها طعون في قانون التجمعات الصادر عام 1979 لمرات عدة، رفضتها لأسباب شكلية، وحينما عرض عليها بصورة صحيحة عام 2005 أصدرت حكمها بعدم دستورية هذا القانون، وهو ما يعني أن عدم دستورية قانون الدوائر صار في مرمى المحكمة الدستورية بإجراءات صحيحة عند الطعن به.

وصار تحصين الدوائر بالطعن مع إيجاد البديل العادل أمراً ملحاً حتى نخرج من الانحراف الحكومي – كما هو في المقترحات المتداولة في الأوساط الحكومية – وانحراف أعضاء البرلمان في وضع دوائر يشوبها العوار الدستوري، ويتم تقسيمها تحكمياً لتحقيق مآرب سيئة لكل منهما، بعيداً عن تحقيق مصلحة الوطن وحمايته.

اللهم إني بلغت،

أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع

dralmoqatei@almoqatei.net
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.