فوزية أبل: الشيخ سعود الناصر.. ما مات

يحتدم الجدل السياسي هذه الأيام حول إصلاح النظام الانتخابي، ويعتبر أمر تعديل الدوائر الانتخابية هو الأب الروحي للحراك الشبابي الذي اتخذ وتيرة متصاعدة في الفترة الأخيرة، فـ «نبيها خمس» التي حمل من خلالها الشباب الألوان البرتقالية في الساحات نسبة للتغير في شكل الدوائر من 25 إلى 5، ويصر على تعبئة الناخبين في اتجاه التصدي لأنواع من الفساد السياسي، ويعتبر السبب الحقيقي في عودة الشباب إلى الساحة السياسية.
منذ سنوات طويلة هناك من عرض طروحات وأفكارا مدروسة لإصلاح النظام الانتخابي في الكويت، فالمطالبات بتقليص الدوائر من 25 إلى خمس كان الهدف منها القضاء على الطائفية والقبلية وتحقيق العدالة، فضلاً عن محاربة شراء الذمم وكذلك توسيع القاعدة الانتخابية، وكان من أبرزهم المرحوم د. جاسم كرم الذي كان له مجهود واضح وطرح أفكاره في وسائل الإعلام.
يلاحظ ان موضوع تعديل الدوائر يطرح في أجواء التوتير الذي يكون حاصلاً بين السلطتين، ولكن قلما كان يطرح على النقاش الجدي في أجواء من التقارب.
عند تقليص الدوائر إلى خمس توقع كثيرون أن يؤدي إلى ارتقاء في مخرجات العملية الانتخابية ويكون هناك خطاب وطني أشمل، لكن للأسف ظهرت عندنا – كالعادة – فنون جديدة من الاستغلال واصبح الخطاب اكثر فئوية وأقل تعبيرا عن قضايا المجتمع، فالبعض يطرح تعديل الدوائر وفق مصلحته وليس وفقاً لمصلحة البلد وتطوير تجربته الانتخابية، فقد يرى ان المهم هو كيفية التعامل أو التفاهم مع شركاء، أفرادا أو تيارات، فيرسم الدوائر انطلاقاً من نظرة قصيرة، وليس لما فيه آفاق تطور الكويت على المدى البعيد.
السؤال المطروح: إلى متى ننظر إلى تعديل الدوائر من منظار الصراع بين السلطتين أو صراع قوى ومصالح، متناسين انه يرتبط برسم سياسة بلد بأكمله، فهل تبني إصلاحات سياسية يكون بالتهديد والسجالات المتفجرة، وتحدي السلطة وتحدي الآخر، وكيف نسعى إلى الإصلاح عبر التحدي ومن دون إرساء الأسس الكفيلة بفتح المجال أمام الحوار الجدي بشأن إصلاحات تنعكس على الكويت بكاملها؟ فهذا التعديل بحاجة إلى نمط من الاحترام المتبادل وتبادل الآراء والخروج من هذه الحسابات الشخصية.
مشكلة أي دولة هي تشخيص الداء، فالكويت ليست بحاجة إلى من يشخص لها داءها، فالداء معروف وآليات القضاء عليه معروفة، لذا تشابهت بيانات العلاج (برامج الإصلاح) لكل من المعارضة (كتلة الأغلبية) وكتلة العمل الوطنية أو تلك المبادرات الشخصية التي تم الإعلان عنها من قبل بعض الأطراف السياسية والنيابية.
فقد ركز الجميع على ضرورة إصدار تشريعات لعلاج مكافحة الفساد واستقلال القضاء، واختيار الوزراء وعدم تعديل الدوائر، ولكن في المقابل ركزت كتلة الأغلبية على استخدام الأدوات الرقابية وتفعيلها ووعدت أن تستمر في نهج لجان التحقيق والمساءلة البرلمانية، أما عن كتلة العمل الوطني – التي جاء بيانها أكثر ملامسة للهموم الوطنية – فقد اختلفت في ما أسمته بالوعي الشعبي وعدم المساس بالقضاء والتعدي عليه، والحريات.
سقف المطالب انخفض خاصة مع إعلان أكثر من نائب رفضه لبيان كتلة الأغلبية، وأصبح المطلب الرئيسي هو عدم المساس بنظام الدوائر الخمس بعدما تم رفع الإمارة الدستورية والحكومة الشعبية.
ويبدو لافتاً ان بعض السياسيين يبالغون في المواقف التي يتخذونها وفي الحضور المفتعل في هذه القضية أو تلك. مبارك الدويلة يشكل مثالاً صارخاً على ما نقول، فلا يترك شاردة وواردة إلا ويضع يده عليها، نلاحظ انه دائماً يتهم الآخرين بانتقاده وانتقاد كتاباته، وهذا مع العلم انه هو الذي يكون البادئ في شن الهجوم والتعرض للآخرين، ويكون من الطبيعي ان تصبح مواقفه وكتاباته مثار جدل.
ومن البديهي القول ما الذي يجعل مبارك الدويلة في الفترة الأخيرة يقفز إلى الواجهة بهذه الصورة اللافتة مصاحبا بحضور إعلامي مكثف؟
ففي أحد اللقاءات التلفزيونية للسيد مبارك الدويلة على قناة اليوم بعد الانتخابات الأخيرة، وفي سؤال حول أسباب سقوط المرشحة المحامية ذكرى الرشيدي قال الدويلة ان من أسباب سقوطها حضور الدكتور أحمد الخطيب في افتتاح مقرها الانتخابي، إلا ان المذيع الزميل داهم القحطاني سرعان ما تدارك الأمر واستنكر مثل هذا الحديث! فبالله عليكم بماذا نفسر مثل هذا الكلام بحق شخصية وطنية لها مكانتها وتقديرها عند جميع الكويتيين. فهل عدم دعوتك أو حضورك يعطيك الحق في التعرض وتجريح الآخرين بهذا الشكل؟
وقد لاحظنا سلسلة الكتابات التي تتعرض الى التيار الوطني خصوصا بعد ان لاقت لقاءات التنسيق بين القوى الوطنية ورؤيتهم بشأن استحقاقات المرحلة المقبلة ووضع أجندة عمل متكاملة وتصديها لمحاولات الانقضاض على الدولة المدنية ترحيبا واسعا في الأوساط.
فمحاولة البعض تحويل البلد الى مؤسسات تديرها الفتوى والمشايخ لم تأت من فراغ، فالنائب في المجلس المبطل د. حمد المطر وعندما كان طالبا في كلية العلوم في عام 1994، وعندما أراد السفر في رحلة مختلطة مع زملائه الطلبة، أحضر فتوى من الدكتور خالد المذكور تجيز اختلاط الطلاب والطالبات تحت إشراف أعضاء هيئة التدريس.. وسافر!
وضيق من هم داخل رحم «الأغلبية» بعد شعورهم بتذمر الرأي العام لمواقف وتصريحات نواب الأغلبية، خاصة تلك المتعلقة بالتضييق على الحريات والمساس بالقضاء، وتهميش الأولويات التي تم تبنيها أثناء الحملات الانتخابية، وخلافات نوابهم في الاجتماعات المغلقة وتصريحاتهم ومواقفهم المتناقضة في وسائل الإعلام.
فقد استشعر المواطن الفجوة الكبرى بين الحراك الشعبي والنيابي قبل حل مجلس 2009، فضلاً عن خطابهم السياسي في ندواتهم الانتخابية، وبين النتائج التي آلت إليها أنشطة النواب في المجلس المبطل، فلم تكن الوعود والخطابات الرنانة على مستوى النتائج، فكان جل همهم هو كسب الجولة الانتخابية المقبلة.

فوزية أبل
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.