محارب: الكويت كانت وستظل دولة مدنية

أكدت الدكتورة شيخة محارب أن عدم وصول المرأة إلى قبة البرلمان الكويتي خلال الانتخابات الأخيرة فشل لا تتحمل وزره المرأة بمفردها، بل ثمة معطيات متنوعة أدت إلى هذا المآل، مشيدة بإنتاجية النائبات اللائي أنجزن بعض القوانين وساهمن في تقديم اقتراحات تنصف المرأة.

كذلك ترى أن إقصاء النساء في المجالات الأخرى لا يمكن تعليقه على صعود التيار الديني، فالكويت كانت وما زالت دولة مدنية، وغيابها عن المشهد السياسي لا يعني أنها لا تمارس دورها في الحياة فهي ناشطة إنسانية أو اجتماعية تتقلد مناصب أبدعت فيها خلال مشوارها.

في حديث عن تضييق الحريات، تحذر محارب من خطر التقاعس عن المطالبة بإقرار حقوقها وتقليص مساحة الحرية بداعي الدين، مشددةً على دور المرأة في مؤسسات المجتمع المدني والتيارات السياسية المدنية في الكفاح في سبيل حماية الحريات العامة والشخصية.

وفي شأن تعديل قوانين الأحوال الشخصية وقوانين المرأة، تؤيد هذا الاتجاه الذي يساهم في مزيد من العدالة في إعطاء الحقوق سواء للمرأة أو الرجل.

عربياً، تتوقع محارب أن يحدث تغير جذري في واقع المرأة، لا سيما في مرحلة ما بعد الثورات، مؤكدة أنه يصبّ في مصلحة النساء، خصوصاً أنهن استطعن إيصال صوتهن والتعبير عن مطالبهن بشكل سلمي وفي الوقت نفسه واضح وحازم.

التقت «الجريدة» الدكتورة شيخة محارب للحديث حول واقع المرأة محلياً وما تعانيه من مشكلات، وتأثير ثورات الربيع العربي على المرأة في الدول العربية.

بعد إخفاق المرأة الكويتية في الوصول إلى قبة البرلمان خلال انتخابات مجلس الأمة الأخيرة، من منظورك ما أسباب هذا الفشل، وما أبرز سلبياته؟

فشل المرأة في الوصول إلى قبة البرلمان لم يكن بسبب إخفاقات المرأة بحد ذاتها، بل على العكس أثبتت المرأة أنها الأكثر عملاً والتزاماً خلال عضويتها في مجلس الأمة، وأبسط دليل على ذلك النظر إلى أدائها في حضور اجتماعات اللجان والعمل فيها بانتاجية عالية جداً والمشاركة في سن القوانين، كذلك التصويت المتزن في القضايا المهمة.

حققت المرأة النجاح خلال الدورة البرلمانية الفائتة. أما غيابها عن البرلمان، فله سلبيات عدة في ظل غياب عضو منتج وملتزم وفاعل كما ذكرت سابقاً، إضافة إلى غياب المرأة التي قد تكون خير من ينظر إلى قضايا المرأة الكويتية ويعمل على حلها بسن قوانين تنصفها.

أبرز القضايا التي تأثرت من غياب المرأة في منظوري هو حل مشكلة الكويتية المتزوجة من أجنبي، ووجود المرأة في المراكز القيادية والنيابية دائماً ينعكس على كل امرأة في المجتمع بتمكينها وإثراء دورها، وأخشى أن تكون من سلبيات غياب المرأة عن المجلس تناسي دورها في المجالات الأخرى حين يتم تعميم الفكرة الخاطئة بأن المرأة فشلت في أداء دورها البرلماني وقد تفشل في المجالات الأخرى. يجب النظر إلى الموضوع بشفافية والأخذ بعين الاعتبار عدد النائبات القليل اللاتي وصلن إلى البرلمان.

تضم لجنة المرأة والأسرة البرلمانية في مجلس الأمة الكويت أعضاء جلهم من الرجال، هل تستطيع هذه اللجنة ملامسة قضايا المرأة ضمن جدول عملها؟

في ظل قصر عمر هذا البرلمان فإنه من الصعب الحكم على أداء هذه اللجنة بشكل منصف، لكن من وجهة نظري فإن هذه اللجنة قد تقوم بأداء جيد جداً إن كان من يراقب أداءها مجموعة فاعلة من الناشطات في قضايا المرأة، فاليوم نحن على يقين أن هؤلاء النواب يعتمدون على نسبة كبيرة من أصواتهم في الانتخابات على المرأة، لهذا قد يحسنون الأداء في لجنة المرأة إن علموا برقابتها الفاعلة على أدائهم والذي يجب ألا يقتصر على المبادرة بتقديم المقترحات، بل أن يمتد إلى متابعتها والاستماع إلى رأي صاحبات الشأن فيها، ومتابعة ذلك بأن يكون معلوماً أن هذه الرقابة ستنعكس فعلياً على أصوات النساء في الانتخابات المقبلة من دون محسوبية أو محاباة.
تسعى المرأة إلى تحسين وضعها في المجتمع في المجالات كافة لأنها ترغب بمواكبة التطور الحاصل.

صعود التيار الديني

شهد معظم دول الربيع العربي صعود تيار الإسلام السياسي، فهل إقصاء المرأة محلياً له ارتباط بذلك؟

إن كان المقصود إقصاؤها من مجلس الأمة فهذا أحد الأسباب، إضافة إلى الوضع السياسي المحتدم والقضايا الأخرى التي لم يكن لعضوات البرلمان السابق موقف يتوافق مع رغبة الشارع وإن كانت له مبرراته. أما الإقصاء في مجالات أخرى فلا يمكننا أن نلوم به صعود التيار الديني، فالكويت كانت وما زالت دولة مدنية، وإن تخاذلت المرأة في القيام بدورها كاملاً في مؤسسات المجتمع المدني فلن يكون ذلك بسبب التيار الديني الصاعد، فاليوم المرأة لها المجال أن تكون ناشطة إنسانية أو اجتماعية أو سياسية وهو ما لا يمكن لأحد أن يمنعه، لذا أرى أنه من المهم جداً أن تقوم المرأة بدورها الحقيقي في المجتمع بتولي القيادة في مجالها الذي تبدع به.

هل تحالف الإسلاميين مع التيارات الأخرى محلياً خطر على أوضاع المرأة، لا سيما أن المتشددين يطالبون بتضييق الخناق على الحريات؟

سأرد على هذا السؤال من محتواه، فالتهديد لا يقتصر على تقييد حريات المرأة، هو تقييد للحريات عموماً وأشدد مجدداً على دور المرأة في مؤسسات المجتمع المدني والتيارات السياسية المدنية. المهم في مجال النشاط لحماية هذه الحريات، ففي تاريخ الكويت لم تملك المرأة صوتاً في البرلمان، ومع هذا لم ينحسر دورها أو تضييق الحريات عليها، لكن كان العرف دائماً أن يتجه المجتمع إلى مزيد من الحريات، وإن كان ثمة خطر يهدد هذه الرغبة فهو التقاعس عن المطالبة، بالإضافة إلى خطر التضييق عليها بحجة الدين.

لا بد للمرأة أن تستمر في نضالها وكفاحها وأي تقاعس لن يكون في مصلحتها.

ما أهم التشريعات والقوانين التي يجب وضعها في الاعتبار لحماية حقوق المرأة الكويتية المتزوجة من غير كويتي (عربي – أجنبي)؟

أول هذه التشريعات وأهمها هو أن يكون لها الحق بمنح جنسيتها لأبنائها مساواة بالرجل الكويتي، ويلي ذلك حقها في أن تحصل أسرتها على المعاملة الإنسانية والاجتماعية العادلة التي تحصل عليها الأسرة الكويتية ذات الأم الأجنبية.

نأمل بأن تنتهي هذه المشكلات بشكل حاسم من خلال قوانين تنظم لنا الحياة وتنهي معاناة هذه الأسر.

عربياً، هل جاءت نتائج ثورات الربيع العربي في مصلحة المرأة وتطور واقعها، وهل يختلف هذا الواقع عن حال المرأة في الدول الأخرى التي لم تشهد ثورات؟

يختلف واقع المرأة بالضرورة بين دولة وأخرى، إلا أن في مرحلة ما بعد الثورات أرى أنه سيتغير إلى الأفضل، ذلك أنها شهدت تجربة إيصال صوتها والتعبير عن مطالبها بشكل سلمي إنما حازم وواضح. لذلك إن تمكنت المرأة العربية من الاستفادة من هذه التجربة، قد تستطيع تطوير واقعها بشكل كبير.

وستشهد الدول العربية استقراراً بعد التخلص من منغصات الحياة السابقة. بالتالي، سينعكس ذلك على معظم شرائح المجتمع وسيكون للمرأة نصيب في ذلك.

التشريع هو الحل

المنظمات الحقوقية الدولية تهتم بوضع المرأة في الشرق العربي، هل ترين أن المرأة العربية بحاجة إلى دعم قضاياها من المجتمع الدولي أم يجب الاكتفاء بمناقشتها داخلياً؟

عموماً، أعتقد أن القضايا الخاصة بالمرأة يجب التركيز على مناقشتها داخلياً والعمل على حلها بقوانين وتشريعات وعمل مدني داعم لهما. إلا أن المنظمات الدولية قد تقدم بعض الدعم في هذا الشأن ويكون لها الدور، خصوصاً في عمليات التمكين وبناء القدرات كالتدريب والتأهيل وإنشاء شبكات التواصل، وفي هذا المجال قد تثري التجارب الإقليمية تجربة المرأة الكويتية وتدعمها.

ثمة من ينادي بتعديل بعض قوانين الأحوال الشخصية، خصوصاً قوانين المرأة. هل تؤيدين ذلك؟

أؤيد التعديلات إن كانت في اتجاه مزيد من العدالة في إعطاء الحقوق سواء للمرأة أو الرجل. لا بد من سن قوانين تضمن للفرد الحرية والمساواة بعيداً عن بعض الدعوات التي تنادي بتقليصها.

ظهرت دعوات بسن قوانين تقضي بتخفيض سن زواج الفتاة إلى 16 عاماً، وعدم تجريم زواج الفتيات الأقل سناً في بعض الدول العربية، ما تعليقك على هذه المطالبات؟

احترم بشدة ما سنته الشريعة في هذا الشأن، لكن لا أتفق مع هذه الدعوات لأسباب عدة، إذ أرى فيها مخالفة للعهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وحقوق الطفل لما فيها من تحميل طفلة أعباء ومسؤوليات قد لا تكون مؤهلة لها.
يجب مراعاة تطور الزمن والتعايش معه ضمن هذا السياق والأخذ بالاعتبار أن المعطيات التي تطرأ على مجتمعنا يفترض التعامل معها وعدم تجاهلها.
تولي القيادة

يقال إن المرأة هي الخاسر الوحيد في هذه الثورات، ما رأيك؟

يعتمد الكلام على ما نقصده بالخسارة في هذه المرحلة، فكلنا يعرف أن في مرحلة ما بعد الثورات نشهد فترة من انعدام الاستقرار أو حتى انعدام الأمن، وخلالها يخسر الجميع. أما إن كنا سنتحدث عن خسارتها سياسياً فلا أعتقد أنها الخاسرة، لأنني أرى في هذه الفترة فرصة المرأة لأخذ مكانتها المنشودة والعمل على تولي القيادة والارتقاء إلى مواقع القيادة، لا سيما مساهمتها في الثورة وما أعقبها.

أدى غياب المرأة عن المشهد في ثورات الربيع إلى تهميش دورها في فترة ما بعد الثورة. ما مدى صحة هذا التصور من وجهة نظرك؟

في بداية حركات الربيع العربي كان للمرأة دور قيادي مهم. مثلاً، دعت أسماء محفوظ إلى النزول إلى الشارع في مصر، وكانت لناشطات اليمن وتونس القيادة في الثورات، إلا أن دور المرأة انحسر إلى حد ما بعدها. لا تتخلى المرأة عن دورها أبداً بل تساهم في أمور أخرى قد لا تكون ظاهرة للعيان.

في رأيك ما دور الحركات أو الجمعيات النسائية في تفعيل حقوق المرأة في الفترة المقبلة؟

أرى أنه في الوقت الحالي تتحمل مؤسسات المجتمع المدني بشكل عام المسؤولية الكبرى لدعم قضايا المرأة كما ذكرت سابقاً، ذلك من خلال الخطوات العملية التالية:

– توعية المرأة لاختيار أفضل من يمثلها في مجلس الأمة المقبل بعيداً عن الضغوطات الاجتماعية.

– تعزيز دور المرأة في المجتمع بدعم مبادراتها الاجتماعية أو السياسية أو الإنسانية.

– العمل على إعداد المرأة القيادية، وإشراكها في عملية التخطيط الاستراتيجي واتخاذ القرار لدعم قضاياها.

الدستور والمرأة

لم يميز الدستور الكويتي بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات بل أرسى حدود التعامل معهما وفقاً للمواطنة، إذ يرى أن العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين، كما يؤكد الدستور أن الدولة تصون دعامات المجتمع وتكفل الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص للمواطنين، معتبراً الأسرة أساس المجتمع وقوامها الدين والأخلاق وحب الوطن يحفظ القانون كيانها ويقوي أواصرها ويحمي في ظلها الأمومة والطفولة، وترعى الدولة النشء وتحميه من الاستغلال وتقيه الإهمال الأدبي والجسماني والروحي، كما تكفل الدولة المعونة للمواطنين في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل كما توفر لهم خدمات التأمين الاجتماعي والمعونة الاجتماعية والرعاية الصحية.

وفي مجال الحقوق والواجبات العامة، لا يفرق الدستور بين الرجل والمرأة بل تقول مواده أن الناس سواسية في الكرامة الإنسانية وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين.
كما أن حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما وذلك وفقاً للشروط والأوضاع التي بينها القانون، إلى ذلك، تكفل الدولة حق التعليم للكويتيين وفقاً للقانون وفي حدود النظام العام والآداب والتعليم الإلزامي مجاني في مراحله الأولى وفقاً للقانون.

كذلك، نظّم الدستور قوانين العمل، إذ إن لكل كويتي الحق في العمل وفي اختيار نوعه، والعمل واجب على كل مواطن تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام، وتقوم الدولة على توفيره للمواطنين وعلى عدالة شروطه، ويدعو الدستور إلى مراعاة النظام العام واحترام الآداب العامة واجب على جميع سكان الكويت.

اللافت أن الدستور يعتمد على معايير دقيقة في إقرار الحقوق والواجبات إذ إنه يعامل المواطنين الكويتيين بالعدل والمساواة بغض النظر عن الجنس مشدداً على تكافؤ الفرص بين الجنسين وكذلك تعزيز المواطنة وتأصيلها في مختلف المجالات.
وفي ما يتعلق بالحقوق السياسية، لم يميز الدستور بين الرجل والمرأة ولم يحظر ممارسة المرأة لحقوقها في التصويت والانتخاب بل بعض القوانين الأخرى هي التي سلبت هذا الحق إلى أن تم إقراره في الأعوام الأخيرة.
المصدر جريدة الجريدة

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.