“يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” (الحجرات 13).
أعتقد أن إذا كان هناك خطر حقيقي يهدد وحدة أي مجتمع إنساني فهو رواج خطابات “الشخصانية المقيتة.” وهذه الشخصانية “مقيتة” لأنها تمثل أقصى درجات الشخصنة السلبية للعلاقات الاجتماعية. ليس فقط لأن معتنقها يمقت الآخر المختلف من أبناء وطنه ومجتمعه, ولكنها ترسخ أيضاً كراهية وحقداً جنونياً بين الناس.
فأعضاء المجتمع الوطني المتوحد من المفروض أنهم يتشاركون أصلاً في مبادئ وقيم وأعراف محلية قبلوها جميعهم لأنها تمثل تجاربهم الإنسانية المشتركة, ولكن ما إن تحل (لا قدر الله) “الشخصانية المقيتة” مكان التعاون والتعاضد المتوقع بين أبناء الوطن الواحد فهي ستهدم المبادئ المؤسسة للوحدة الوطنية. فبعض أضرار شخصانية الطرح ونتيجتها الحتمية, وهي شيوع التعامل السلبي بين الناس, هو تحويلها المواطنين إلى مجموعات عرقية وطائفية وقبلية وطبقية متقوقعة على نفسها, لا تتواصل مع المواطن الآخر, بل ربما تحاول قدر استطاعتها إقصاءه من المعادلة الوطنية وبأي شكل من الأشكال !
الأوطان لا تبنيها الشخصانية أو سلوكيات وتصرفات الإقصاء المتعمد ضد المواطن الآخر, ولكن الأوطان تبنيها حميمية العلاقات الاجتماعية وارتكازها الأساسي على مبادئ وقيم وأعراف وتقاليد وطنية متوارثة تكرس تعاوناً وتعاضداً أخوياً بين أبناء الوطن الواحد.
وفي سياقنا الكويتي الخاص أعتقد التالي: “يصعب في عالمنا المعاصر تحقيق صهر قسري للتجارب الإنسانية الفردية في وعاء ثقافي شامل يبدو انه يرفض قبول حتمية تنوع التجارب الفردية في المجتمع الواحد. فتجارب أعضاء المجتمع الوطني وتفاعلهم مع بعضهم البعض بل وعلاقاتهم الإجتماعية لا يمكن قياسها دائماً بمسطرة واحدة ثابتة لا تتغير مع تطور العصر. بمعنى آخر, ربما يتحقق في أي مجتمع وعي وطني واحد وشامل بخاصة في ما يتعلق بالقضايا والتحديات الوطنية المشتركة (الحس الوطني), ولكن ثمة أيضاً تعددية وإختلافا نفسيا حتى في كيفية استجابة وتفاعل أعضاء المجتمع الواحد مع ما يحدث في بيئتهم. الشخصانية المقيتة تقتل الحس الوطني النبيل وتستبدله بشزر القول والتعنت والتعصب الشخصاني المدمر. والله المستعان.
* كاتب كويتي
khaledaljenfawi@yahoo.com
المصدر جريدة السياسة
قم بكتابة اول تعليق