عبدالمحسن حمادة: أأوصياء على الشعب الكويتي؟

من عينكم أوصياء على الشعب ترددون أقاويلكم المثيرة للفتنة والقلاقل وتدعون أن هذه آراء الشعب؟ الشعب الكويتي ليس قاصراً بل شعب راشد، لا يحتاج إلى ولي أمر يقيد إرادته ويكمم أفواهه فيزعم أنه يتحدث باسم الشعب. أنتم مجرد أعضاء في مجلس مبطل تم إبطاله بناء على حكم قضائي فأصبحتم مواطنين عاديين ليس لكم سند قانوني يخولكم التحدث باسم الأمة. أنتم مجرد أعضاء انتخبكم الشعب لتمثلوه في المجلس، وعضوية المجلس لها مهمة محددة هي التشريع والرقابة. فلا يحق لأحد إذا وصل إلى عضوية المجلس أن يدعي أنه أصبح زعيماً أو قائداً للأمة. لا نرى لهذا مثيلاً في الدول المتقدمة. فالشعب الذي انتخبكم قد لا ينتخبكم مرة أخرى، فأمزجة الناخبين تتبدل بصفة مستمرة.

نتمنى أن تتنازلوا عن الغرور الذي امتلأت به شخصيتكم، فالغرور صفة شيطانية «فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ» (لقمان – 33). فالشيطان يزين للناس الأوهام والأباطيل. فالغرور صفة نفسية مرضية تجعل صاحبها يعيش في حالة من الوهم والخداع، يتوهم أنه فوق البشر. فأنتم بحاجة إلى مزيد من التواضع لتتمكنوا من معرفة حجمكم وإمكاناتكم. لا يوجد فيكم أحد تنطبق عليه صفة القائد أو الزعيم. فللقيادة مواصفاتها النفسية والخلقية وقد تحددها وتحتمها ظروف الزمان والمكان. فمثلاً الزعيم المصري سعد زغلول قائد ثورة 1919، فظروف مصر في تلك الفترة هي التي صنعت منه زعيماً، إذ كانت تحتم وجود قيادة لمحاربة الاحتلال البريطاني والمطالبة بالحرية والديموقراطية واجتمعت في سعد زغلول الكثير من الصفات الخلقية والقدرات الشخصية لتحقيق تلك المطالب. وكذلك الحال مع الزعيم الهندي المهاتما غاندي وبسمارك الألماني الذي حارب الاحتلال الفرنسي.

أما أنتم يا من تطلقون على أنفسكم الأغلبية مع الاحترام لشخصياتكم الكريمة فلا يوجد فيكم من تنطبق عليه صفة القيادة. كما انكم تمثلون جماعات مختلفة الأهداف. ففيكم المتشدد الذي يحتقر علم الدولة ونشيدها الوطني. ومنكم من يتحمس للانتماء القبلي ويضع مصلحة القبيلة فوق مصلحة الدولة والقانون، وفيكم أتباع الإسلام السياسي. وقد يكون منكم الانتهازيون المستعدون لتبديل ألوانهم وركوب أي موجة لتحقيق مصالح شخصية للوصول إلى مناصب أو الشهرة أو الثروة. ليس لديكم مشروع وطني تنموي لذلك تبنيتم مشاريع قوانين فيها إهدار كبير للثروة القومية وتبديدها. فأصبحنا بحاجة إلى إصلاح اقتصادي لمعالجة السلبيات الضارة لتلك السياسة المالية التي لم تراع مستقبل الدولة المالي ولا مستقبل الأجيال القادمة. وفيكم شباب ليس لديه خبرة في الحياة البرلمانية إلا أشهر قليلة، ومع ذلك تحول بعضهم إلى طواويس يدعون الخبرة ويطلقون التهديدات ليرهبوا الحكومة والدولة. وأسوأ ما فيكم اللغة الهابطة التي يتلفظ بها بعضكم والممتلئة بالسب والشتم وقلة الأدب والأخلاق. تدعون أنكم تستمعون لآراء الشباب وهم ينتمون لتيار الإسلام السياسي الذي يخضع لتنظيم عالمي ولا يراعي مصلحة الدولة ومستقبلها.

من يستمع إلى تصريحاتكم اليومية التي تحمل التهديد والوعيد للدولة والحكومة فانه يتصور أن تحت إمرتكم الجيش الأميركي أو جيش الاتحاد السوفيتي السابق. تدعون أن مطالبكم أصبحت بلا سقف قد تصل إلى السماء. ماذا تعنون؟ هل تريدون إزاحة الأسرة الحاكمة وتحلون محلها؟ ليتكم تسمعون الكلام الذي يقوله كثير من أصحاب الدواوين عنكم، فما قلته قليل من كثير مما سمعته. غير أن المشكلة تكمن في أن أهل الكويت يجاملون ضيوفهم ولا يصارحونهم بأخطائهم. فإذا فزتم بالانتخابات القادمة وأنتم بهذا السوء فهذا من مساوئ الديموقراطية التي تحدث عنها المفكرون من أيام افلاطون وأرسطو. فقد قالوا إن من مساوئ الديموقراطية أنها تأتي بالسيئين الذين يستطيعون أن يغشوا الجماهير ويخدعوهم بالأمنيات والتضليل، وهذا دليل على ضعف وعي الناخبين. وعلينا تقبل النتائج كما قال تشرشل «النظام الديمقراطي سيئ ولكن النظم الأخرى أسوأ منه.» فمن دونها ستعم الفوضى ويسود الاستبداد.

د. عبد المحسن حمادة

D_hamadah@hotmail.com
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.