إبراهيم العوضي: مسلمون بلا إسلام

استوقفتني كثيرا خلال ذهابي إلى مقر عملي الاسبوع المنصرم وتحديدا مع مطلع شهر رمضان المبارك مقولة الامام محمد عبده عندما زار أوروبا بعد أن فشل في ثورة أحمد عرابي فنفي بعدها إلى بيروت ومنها زار باريس بدعوة من معلمه جمال الدين الأفغاني في عام 1884 ميلادي ليطلق مقولته واسعة الانتشار ( وجدت في أوروبا مسلمين بلا اسلام ووجدت في بلدي اسلام بلا مسلمين!). وعلى الرغم من مرور أكثر من مئة عام على هذه المقولة، الا أنني لا أبالغ ان ذكرت بأنها ما زالت وبكل أسف تنطبق على زماننا هذا بكل ما تحمله هذه المقولة من معنى.
كانت الساعة تشير إلى تمام الحادية عشرة واذا بأحد الطرق الدائرية مغلق بالكامل، السيارات تقف بجوار بعضها البعض بطريقة متلاصقه فلا أحد يستطيع التحرك من مكانه بسبب الازدحام الشديد، ليستمر بذلك الحال لفترة تزيد على نصف الساعة. وبعد ذلك بدأت الأحداث المعتادة، ازداد حال سائقي السيارات اكفهرارا وعبسا، بينما انطلقت سيارات أخرى للقيادة عكس اتجاه السير وأخرى كما نقول باللغة العامية ( ركبت رصيف الدوار ) لتتخطى غيرها بالطرق التي اعتدنا عليها دون أي احترام لآداب السير والطريق وحتى الصيام، ليبدأ بعدها مهرجان اطلاق الصيحات والمسبات المؤذية التي لا تليق بالشهر الفضيل، ولأشهد خلال هذه الفترة أربعة حوادث تصادم وهي خفيفة بالطبع بسبب تقارب السيارات فتنطلق بعدها نتيجة لذلك مسرحية مليئة بالهرج والمرج. كل ذلك كان في غضون عشر دقائق فقط، لم تنتهِ فيها هذه الأحداث الا بعد أن حضرت دورية المرور لتنظم عملية السير ولينطلق كل في حال سبيله.
تسرح بي مخيلتي أثناء كل ما حدث من مشاهد إلى سنوات قليلة انقضت عندما كنت في احدى زياراتي المتعلقة بالدراسة إلى المملكة المتحدة، عندما وجدت أحد أباء المبتعثين يقف أمام طريق دائري في أثناء ذهابي للجامعة فألقيت عليه السلام وأكملت طريقي سيرا على الأقدام إلى الحرم الجامعي ولم تمضِ اكثر من ساعة الا وقد عدت إلى المكان نفسه لأجد هذا (الشايب) وهو ثابت في موقعه ولم يتحرك، فسألته ( شفيك عمي؟) فأجاب ( يا ابني أستغرب بأن هذا الطريق الدائري الذي تم تخطيطه من دون وجود رصيف يتم احترامه من قبل قائدي السيارات ودون أن يتم تجاوزه حتى لو لم يكن هناك أي سيارة أخرى تمر بنفس الطريق ولهذا السبب فأنا جالس أراقب حركة السير). تركته مبتسما ومتعجبا في الوقت نفسه، وأنا أقول في قرارة نفسي (مسكين هذا الشايب، لم يعش في عصر السفرات والرحلات وما دار العالم وما شاف الفرق بيننا وبين الغرب) وعدت بعدها إلى أدراجي. في نفس ذلك اليوم، دعاني احد الأصدقاء لوجبة العشاء وفي طريقنا قام زميلي باضاءة انارة السيارة بصورة متكررة فقمت بتوبيخه طالبا منه احترام السيارة الاخرى تطبيقا للمثل الشعبي (يا غريب كن أديب)، فضحك علي كثيرا وقال ان هذا يعني أنك تسمح للسيارة الأخرى بالمرور عكس ما يحدث في بلادنا وهو أن تطلب من السيارة الأخرى الابتعاد لافساح الطريق. عندها بالفعل تذكرت ما حدث صباح ذلك اليوم مع والدنا (الشايب) واكتشفت أن حالي من حاله بل ضحكت على نفسي أكثر منه.
وبين الربط بين تلك المواقف، اجد أن مشكلتنا اليوم هي ليست في مسائل القانون وآلية تطبيقه وكيفية ردع المستهترين، بل اننا بحاجة ماسة، خصوصا في هذ الشهر الفضيل إلى التطبيق الصارم للقيم والمبادئ والأخلاق الاسلامية التي أسست لنا منهجا واضحا وصريحا يقوم على تهذيب الأنفس واحترام الأخرين واتقان العمل والوفاء بالوعود والالتزام بالمواعيد ولطف المشاعر وغيرها بعيدا عن قوانين الدنيا الفانية لعلنا نصل إلى ما وصل اليه هذا النظام الدنيوي الأجنبي، فنحن بديننا فعلا نستحق ان نتفوق عليهم بكثير.

boadeeb@yahoo.com
المصدر جريدة الراي

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.